هذا ليس دينك..


*باسل رفايعة

يكفي أن تشاهد التسجيل المرعب لإعدام الطيار الأردني الشهيد، معاذ الكساسبة، لتدرك أيّ ذهنٍ مريض ابتدع هذه الهمجية، وأي وحوشٍ بإمكانهم أن يضعوا الأخلاق والدين والضمير والإنسانية في قفص ويضرموا فيها النار. هل هؤلاء بشر؟ أولئك الذين انهمكوا أسابيع في الإعداد والتصوير والإخراج السينمائي ليحرقوا إنساناً وهو حي، بعدما منعوا عنه الطعام خمسة أيام، ثم وقفوا يشاهدون اللحم المحترق ويستمتعون بالصراخ والألم.

هذا دين «داعش»، لا غرابة إلا في ذرائعنا وفجائعنا، دين الذين يقتلون بتلذذ، دين الذين لا يعرفون حقوقاً للأسير والرهينة والإنسان. دينٌ يقطع رؤوس الأبرياء، ويرجم البشر، ويغتصب القاصرات، ويُغير على بيوت الناس، فيذبح ويسرق ويرتكب الفظائع. هذا ليس دينك أنت. عليك أن تقول ذلك، وتؤمن به، لتغسل دينك من هذه الفضيحة، وهذا العار، قبل أن تبدأ حربك فوراً على كل أصوله ومكوناته الداعشية.
هذا ليس دينك. أنتَ الذي تصلي وتصوم وتكدح لتطعم عائلتك. وأنتِ التي تسهرين عند رأس طفلك المريض، وتجسّين حرارته كل دقيقة، وترددين الدعوات والصلوات. أنتَ الذي تمنع أطفالك من مشاهدة أفلام العنف والرعب، وأنتِ التي تمسكين بأيديهم الصغيرة، وهم يقطعون الشوارع إلى مدارسهم، أو يصعدون الدرج إلى أبواب المنازل.
هذا ليس دين أحد من البشر. معاذ الكساسبة لم يكن إلا جندياً قاتلهم دفاعاً عن حياتنا جميعاً، وحين وقع أسيراً، لم يعثروا في أي دين على طريقة مناسبة لمعاملة الأسرى أو معاقبتهم، فاخترعوا في دينهم الآثم فصلاً همجياً جديداً.
دينُ الدواعش واضحٌ، دون أي شرح وتبرير، وهم يجهزون أكثر تقنيات الإجرام بربرية في حرق معاذ. دين يختصر تاريخ الجريمة، ويزيد عليها في تكثيف غرائز الشر والبشاعة. دين يتحدى سيرة التوحش. ليس نازياً، ولا تتريّاً، ولا صهيونياً. دينٌ يختصر كل سيرة الإرهاب والترويع.
ليس دينك. ولا يكفي أن تعلن التطهر والبراءة. خُض حربك كاملة ضد شروره. دافع عن دينك، وقلْ أن لا دين للدواعش والقواعد والإرهابيين في كل مكان. أولئك الذين يحملون السلاح ويبشرون بالموت والعذاب، وأولئك الذين يختبئون بيننا، وينتظرون أي سانحة للقضاء على حياتنا، ووقف رحلتنا القصيرة في الزمن.
حربك أنت. العربي المسلم، قبل الطيارين والجنود. فأنت منْ يُهزم أو ينتصر. منْ يريد أن يعيش ويكبر ويشيخ بين أولاده وبناته، أو بين من يصمت، فيموت في انفجار إرهابي أعمى. لا تنس أنهم يكفرونك أنت، وليس فقط الأنظمة السياسية. لا تنس أنهم لا يعترفون بصلاتك ولا بإيمانك. دينهم لا يعترف بدينك أصلاً. لا تدعهم يخدعونك بأكذوبة أميركا وإسرائيل. هم أكثر سوءاً وخطراً على حياتك ودينك. انظر كيف تستغلّ إسرائيل جرائمهم القذرة سعياً وراء مكاسب من المقارنة.
حربنا نحن، ويجب أن تبدأ سريعاً في البيوت والمدارس والجامعات والمجتمع. حرب لا مساومة فيها على مستقبلنا. علينا أن نقتلع جذور التطرف والتشدد التي أنبتت الأشجار المسمومة للإرهاب. لن نعدم بذوراً صالحة للرحمة والتسامح في ثقافتنا، وفي ثقافات الآخرين. أولئك الهمج ليسوا منا، ولن نصدق أن لهم أي رسالة سوى الموت والخراب.
حربنا نحن. نخوضها بكل عزم وأمل، ونصرّ فيها على كل نصر وحياة، أو نتركها للآخرين، شأن كل أمة منكوبة.
______
*عن الإمارات اليوم

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *