شاعر من المغرب


محمد الصغير أولاد احمد*




عندما ينهزمون يلتجئون إلى مخابئ الهوية 
وحين لا ينتصرون يتحصّنون بناطحات الحداثة
في الحالة الأولى،
تكتظ قصائدهم بالسيوف والرماح والمفردات المتروكة البالية.
وفي الحالة الثانية
يقترحون على القارئ لعبة»بوزل» معجمة لا هم مصمموها ولا القارئ مهيّئ للعبها. 
وهم ينحدرون،مع أسراب النمل إلى مخابئ الهوية، تشرع أسماء أشخاص ميّتين في الخروج من قبورها، وبالعين المجردة يصبح ممكنا رؤية طير الأبابيل وعنترة العبسي وخالد بن الوليد وصلاح الدين الأيوبي وهم يهزمون الجيش الإسرائيلي بسيوف خشبية لوحدهم، في وسط العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين.
لمزيد الاستغفار من خطيئة الحداثة، يستدعون السجع الركيك إلى نصوصهم، فتتكدّس القوافي في مؤخرات جملهم كما يتكدس الذباب على الحلاوى المعروضة للبيع في الشوارع القذرة.
ما إن تنتهي الحرب، بالخسران طبعا وبالهزيمة دائما، حتى يعودوا بؤساء إلى معبد الحداثة:
هناك،في المعبد وعلى ضوء الشموع، يكثر الضباب والسنونو على حواشي تخميناتهم، ويصبح «البياض» أوسع مساحة في خارطة نصوصهم.
سبق لنا أن قرأنا محمد الماغوط وفهمنا ما يكتب حسّا وفكرة وأسلوبا.
وكذا كان الشأن مع أنسي الحاج وسركون بولص وغيرهم وان كانوا قلّة.
ومن قبل هؤلاء جميعا قرأنا شارل بودلير: الأب «الجنسي»لما يُسمّى اليوم بقصيدة النثر..فكانت قراءتنا منتجة للمتعة على عكس الشقاء الذي نتكبده اليوم ونحن نقرأ قصائد نثرية لا تُقْرأ أصلا لكونها ليست قصائد وليست نثرا كذلك.
انتظرنا وقتا طويلا قبل أن يفوت قطار علي عبد الله صالح، ويتكرّم علينا الشاب «مارك زوكربرغ» باختراع الفايسبوك..فكان من نتائج هذه الأعجوبة التواصلية أن قمنا بثورات في أقصر وقت ممكن،ثورات وقع تحويل وجهتها من قبل جحافل الرجعيين،وأن اكتشفنا شعراء عربا شبابا كانوا مغمورين رغم خيالهم الواسع وحذقهم اللّافت للكتابة.
من بين هؤلاء الشعراء: محمد بنميلود، المغربيّ الجنسية، الشعريّ الهوية.
اقرؤوا معي هذا القصيد وقد تصرفت فيه وان لم يكن طويلا:
« أسكن في حيّ شعبيّ
ضاجّ بالأطفال والباعة ومصلحيّ الرّوبابيكيا
ومشتريّ المتلاشيات
والكوّايين الجوّالين
والبرّاحين
وثقَّابِيّ آذان البنات الصّغيرات بماكينة يدويّة غير مرخّصة
من أجل أقراط جميلة وَفَالْصُو
رقم بيتي هو 04
قبالة بيت أرملة مشلولة
لا تخرج لترى ضوء النّهار إلاّ نادرًا
محمولة على عربة
أساعد أحيانًا في حملها مع شباب الحيّ العاطلين
{…………}
أطعم الدّوريّات من قمح كتاكيت أمّي
وأكتب الشّعر العاقّ
كلّ يوم
أمدح بالأشعار الطّويلة عمّي المنسيّ 
وأهجو الملوك
والسّلاطين
والأبطال
لسبب ما
ودون سبب

والآن
إن كنتم تريدون قتلي
ها أنتم تعرفون عنّي كلّ شيء
وتعرفون الرّقم 04
الّذي هو رقم بيتي
في الحيّ الشّعبيّ الخطير
المزدان بالجريمة
حيث موت شاعر مغمور
لن يُحزن سوى الدّوريّات «
لا يكاد يمرّ يوم دون أن استرق النظر إلى الحائط الفايسبوكي لمحمد بنميلود هذا.
وهذا اسم إشارة للقريب.القريب من الشعر ومن القلب في زمن أصبحت فيه العصابات الشعرية تتجول في طبقة الأوزون المثقوبة وتمنع الشعراء / الشعراء، على ندرتهم، من حقّهم الطبيعي في التنفّس وفي الحياة أيضا.
أقرأ قصائد ونصوص محمد بنميلود وأتقاسمها مبتهجا مع جيشي الفايسبوكي الموزع على خمس قارات.
إنها قصائد ونصوص جديرة بأن نسرقها..لكن بعد قراءة كتاب «العمدة» لابن رشيق القيرواني !
قصائد بسيطة وعميقة حتى لكأنها خلاصة لما قاله الشاعر رابدرادات طاغور:
ـ «الهي اجعل حياتي بسيطة مستقيمة مثل ناي تملؤه بغنائك» 
ولما قاله الفيزيائي انشتاين:
« إذا لم تستطع شرح فكرتك لطفل عمره ست سنوات.. فأنت نفسك لم تفهمها «.

وما من شك في أن هذا الفهم الحقيقي للشعر هو الذي حدا بالشاعر الفرنسي سان جون بيرس لتخصيص خطابه،وهو يتسلم جائزة نوبل للآداب، لعلاقة الشعر بالفيزياء. 


٭ شاعرمن  تونس
( القدس العربي )

شاهد أيضاً

كأس وظلال

(ثقافات) كأس وظلال عبد القادر بوطالب تلك الظلال التي طوت تفاصيل أجفاني سارت خلفي ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *