ترجمة الكتاب الإسرائيلي.. تطبيع ثقافي أم ضرورة معرفية؟


*ميرزا الخويلدي

على خلفية قيام دار نشر معروفة هي (مدارك) التي يملكها الإعلامي السعودي تركي الدخيل نشر الترجمة العربية لكتاب: «المملكة العربية السعودية والمشهد الاستراتيجي الجديد» للمؤلف الإسرائيلي جاشوا تيتلبام, اندلع سجال ساخن اشترك فيه عدد من المثقفين.. وغير المثقفين وكعادة هذا النوع من السجالات أفرز تيارين: أحدهما يحارب أي مسعى لتقديم المنتجات الأدبية والفكرية الإسرائيلية للجمهور العربي بدعوى أنها تمثل (تطبيعا مع العدو)، والتيار الآخر يدعو لضرورة قراءة الفكر الآخر للتعرف عليه جيدا.

* الكتاب والمؤلف
الكتاب القضية، لا تتعدى صفحاته الـ100. وهو يبدو كبحث سياسي أقرب منه دراسة مطولة، ومؤلف الكتاب هو البروفسور جاشوا تيتلبام، من قسم تاريخ الشرق الأوسط في مركز بيغن – السادات للدراسات الاستراتيجية بجامعة بار إيلان في إسرائيل، وهو يعمل أيضا في معهد هوفر للبحوث. وقد قدم للكتاب الأستاذ الجامعي الأميركي من أصل لبناني فؤاد عجمي، المعروف بقربه من المحافظين في الولايات المتحدة، وهو الآخر عضو في معهد هوفر. وترجمه الدكتور حمد العيسى.
أما في مقدمته الخاصة، فقد حرص المؤلف على مخاطبة القراء العرب. والكتاب عموما لا يخلو من طابع سياسي، يسعى من خلاله المؤلف لشرح سياسات دولة إسرائيل، التي يصفها في الصفحة (11 – 12) بأنها تسعى (لتحقيق الاستقرار في المنطقة) وأن ذلك يجعل لديها مع العرب أو بعض العرب الكثير من المصالح الاستراتيجية المشتركة.
ويتحدث المؤلف عن القضية الطائفية الإسلامية إذ يورد في (الصفحة 13) نقلا عن اللواء في الاحتياط الإسرائيلي عاموس جلعاد، مدير مكتب الشؤون السياسية والعسكرية في وزارة الدفاع الإسرائيلية، ادعاءه في أغسطس (آب) 2013، (أن الكتلة السنيّة من الدول العربية لا تنظر إلى إسرائيل على أنها عدو لدود).
ويختتم الكتاب بالحديث عن التهديدات الإيرانية وفشل الولايات المتحدة في (فهم المشهد الاستراتيجي الجديد) بما يضمن أمن حلفائها في الخليج (صفحة 76). وهو يجنح لتوظيف القلق من الصعود الإيراني من أجل أن يصور إسرائيل عاملا مهما للتوازن الإقليمي.
* هل هي حملة موجهة؟
الكتاب ليس الأول من نوعه، حتى في الساحة الثقافية السعودية، حيث لا يعد وجود كتب لمؤلفين إسرائيليين جديدا، ففي أبريل (نيسان) العام 2010، ظهرت في معرض الرياض الدولي للكتاب رواية سوقتها دار نشر عربية هي (الجمل) تحمل اسم «أسطورة عن الحب والظلام»، للمؤلف الإسرائيلي عاموس عوز. ولقيت الرواية إقبالا ملحوظا. ومع ذلك لم تحدث هذه الرواية الجدل الذي أحدثه كتاب (مدارك)، ولذلك يرى تركي الدخيل أن «الحملة موجهة، ومقصودة».
ويتساءل، في اتصال هاتفي معه من مقره في دبي: «من يهاجموننا ألم يشاهدوا شخصيات إسرائيلية على قناة الجزيرة؟». ويضيف: «القصة ليست أن تنشر لكاتب إسرائيلي أو خلافه، ولكن القصة هي ماذا تنشر لهذا الكاتب، فهناك مراكز دراسات فلسطينية نشرت لكتاب إسرائيليين». ويعتقد تركي الدخيل أن الحملة التي اتخذت موقع «تويتر» ساحة لها، لم تكن بريئة، فالمقصود منها كما يقول: «التشويش».
لكن، ما السبب وراء ترجمة ونشر هذا الكتاب في العالم العربي؟ يقول الدخيل: «الكتاب يسلط الضوء على جانب سياسي بدراسة تحليلية. ثم إن المنتج الثقافي والأدبي هو منتج إنساني مهما تنوعت مصادره». ويضيف: «ما لم يفهمه المعترضون أننا نقدم دراسة سياسية ولم نستضف إسرائيليين في مدينة سعودية كالرياض أو جدة، وبالتالي فإننا لا نرى أن اختيار كتاب لمؤلف إسرائيلي هو (تطبيع)». وفي النهاية: «هذا الكتاب يمثل رأي صاحبه، وبإمكان المعارضين نقده أو مناقشته».
أما مترجم الكتاب الدكتور حمد العيسى فكتب في المقدمة: «إن ترجمة هذا الكتاب لا تعني بالضرورة الاتفاق مع جميع محتوياته من مصطلحات وتصنيفات وتحليلات وآراء ومقترحات، ولكن تمت ترجمته لإعطاء القارئ العربي وصناع القرار العرب، وبخاصة في الخليج العربي، فكرة عن رأي باحث ومفكر إسرائيلي بارز ومتخصص حول الصراع الاستراتيجي الحالي في جزء مهم من الشرق الأوسط».
* هل هو تطبيع؟
يتفق مع هذا الرأي الناقد والروائي السعودي. د. معجب الزهراني، الذي لا يرى أن في الأمر تطبيعا «فالإسرائيليون يقرأون جيدا كل شيء عنا وقد يكتبون عن العرب بحرية وعمق أكثر ولذا فمن الواجب معرفة جل ما يكتبون». ويضيف: «إنهم – الإسرائيليون – يتابعون كل ما يكتب عن العرب حتى في الصحف اليومية وأخشى أنهم يعرفون عنا فوق ما نعرف».
أما الناقد الدكتور سعد البازعي، الذي وضع كتابا مهما تحت عنوان: «المكون اليهودي في الحضارة الغربية»، فيقول، ردا على سؤالنا: هل تؤيد ترجمة ونشر المنتجات الأدبية والفكرية والسياسية لمؤلفين إسرائيليين؟: «ليست الإجابة سهلة على هذا السؤال. فكتابي حول المكون اليهودي في الحضارة الغربية انطلق من الإيمان بأهمية معرفة الآخر وعلى النحو الذي يكسر نمطية تلك المعرفة بتجاوز الصور النمطية».
ويضيف البازعي: «لكن تداول كتب الإسرائيليين يختلف عن الكتابة عن تلك المؤلفات. وأظن أن كثيرا من القراء العرب سينفر من قراءة كاتب صهيوني يدافع عن احتلال فلسطين أو الاعتداء شعبها. وقد يقبل قراءة كتاب معتدلين من إسرائيل أو اليهود عموما، وهؤلاء في الغالب ليسوا مؤمنين بالصهيونية.. من هنا يمكن التمييز بين الكتاب الإسرائيليين، فالأكثر اعتدالا لا أجد حرجا في ترجمة أعمالهم أو تسهيل تداولها، لكني أرفض أولئك الذين يتبنون سياسة عنصرية ويؤيدون استمرار الاحتلال. وينسحب هذا على كل كاتب عنصري أو مناصر لإيذاء الشعوب وليسوا الإسرائيليين وحدهم».
الناشر عادل الحوشان، الذي يمتلك دار نشر (طوى) تحدث عن مفهومه للتطبيع الثقافي قائلا: «شخصيا أفرّق كثيرا وأتوقف عند مصطلح التطبيع أكثر.. ما هو المقصود منه؟ بالنسبة للمكوّن اليهودي؛ لا يوجد أدنى شكّ أننا بحاجة إلى الاطلاع عليه ومعرفته ومعرفة تاريخه وموقفه، أما أن يأخذ التطبيع معناه السياسي فهذا بلا شكّ لن يقبله ضميري وأنا أعرف وأتابع وأقرأ وأمعن النظر في مجازر الكيان ضد الفلسطينيين».
ويكمل: «علينا أن نفصل التطبيع، بمعنى ترجمة أو قراءة أعمال أدبية وفنية، عن التطبيع السياسي، إذ يمكن أن نقرأ ما نريد ونجد ما نريد عبر مؤسسات ومراكز بحث تعنى بشؤون الشرق الأوسط، وجامعات تعنى بالدراسات والبحوث، وهناك مادة غزيرة عما قاله اليهود عنا وعن تاريخنا وعن العالم، وبالتأكيد هناك ما هو مهم فيما يقال أحيانا، لكني لن أقبل أن يوجهني صهيوني متطرف سياسيا سواء كان من الكيان نفسه الذي أنجبه ومشروعه أو من أنظمة أخرى أيا كانت درجة العلاقة السياسية بيننا وببينهم ومهما كانت أبعاد المصالح فيها».
على خط هذا السجال، دخل أيضا الكاتب السعودي أحمد عدنان، الذي يقول: «بعد نكسة 1967 أطلق الرئيس جمال عبد الناصر مشروعا بعنوان (اعرف عدوك)، وكان من بين المشرفين عليه الأديب الراحل أنيس منصور، ومن بين مهام هذا المشروع ترجمة النتاج الأدبي والفكري والسياسي الإسرائيلي، كما كان من أعماله برنامج إذاعي اسمه: من قلب إسرائيل. وكان من حيثيات ذلك المشروع، أن الجهل بإسرائيل هو من الأسباب الرئيسية للهزيمة آنذاك، ولم يصف أحد هذا الفعل بالتطبيع».
ويضيف: «إن من حق أي دار النشر أن تطبع ما تريد، كما أن من حق القارئ أن يطالع ما يريد، ويقبل من المحتوى أو يرفضه، فالحديث عن الخوف على وعي القارئ وحمايته منطق وصائي وهو أمر مرفوض، وهو كذلك منطق تشترك فيه التيارات الدينية المتطرفة وسلفيو القومية العربية».
عدنان هو الآخر، يرى أن الحملة جرى توجيهها من قبل من سماهم: «سلفيو القومية العربية»، ويرى أن الحملة ربما جاءت أيضا «في سياق التنافس بين دور النشر».
* كتب إسرائيلية في المكتبات العربية
* تكاد لا تخلو مكتبة عربية معروفة من كتب لمؤلفين إسرائيليين. وتهتم مراكز دراسات وأبحاث ووسائل إعلام بترجمة يومية للصحف الإسرائيلية، وهناك مراكز تتابع كل ما تنشره مراكز الأبحاث والدراسات الإسرائيلية، وتقدم بعضه للعالم العربي.
وأبرز الكتب التي تسوق في الدول العربية هي كتب لزعماء الحرب الإسرائيليين الذين أصبحوا قادة الدولة العبرية، من قبيل كتاب «سلام بيغن: قصة الأرغون»، لمؤلفه رئيس الوزراء الأسبق مناحم بيغن، وهو من ترجمة صلاح طوقان والناشر دار الشجرة للنشر والتوزيع، وكتاب «الإرهاب» لبيغن نفسه، وهو من ترجمة وتحقيق معين محمود، والناشر دار المسيرة للصحافة والطباعة، وكلا الكتابين يسوقهما موقع مكتبة النيل والفرات.
كذلك صدر لرئيس الدولة العبرية شيمعون بيريس بالعربية كتابان، هما: «معركة السلام، يوميات شيمون بيريز»، ترجمة عمار فاضل ومالك فاضل، وكتاب «الشرق الأوسط الجديد»، ترجمة محمد حلمي عبد الحافظ، والكتابان نشرتهما (الأهلية للنشر والتوزيع).
أما كتاب وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشي دايان: (قصة حياتي: قيام دولة إسرائيل وحروبها ضد العرب)، فترجمه طارق نصر الدين، ونشرته مكتبة النافذة، والكتاب يسوق عبر (النيل والفرات)، وكذلك كتاب «مكان بين الأمم: إسرائيل والعالم» لرئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، ترجمة محمد عودة وكلثوم السعدي، ونشر الأهلية.
كتاب آخر هو «مذكرات إسحق شامير»، الصادر ضمن سلسلة شخصيات إسرائيلية، عن دار الكتاب العربي، في العام 1995. وكتاب «مذكرات اسحق رابين» عن دار الجليل للطباعة والنشر 1993. وكذلك عدد من مؤلفات وزير الخارجية الأسبق ييجال آلون.
ومن بين عشرات الكتب لمؤلفين إسرائيليين، كانت ترجمتها في فلسطين ومن قبل مراكز دراسات فلسطينية، وواحد من هذه المراكز هو المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية «مدار» الذي تأسس ربيع عام 2000، بمبادرة مجموعة من المثقفين والأكاديميين الفلسطينيين من بينهم الشاعر الراحل محمود درويش، وآخرون، والذي أصدر عشرات الأبحاث والدراسات والترجمات والمنشورات المتخصصة في الشأن الإسرائيلي، ولديه دائرة ترجمة تنفذ برنامجا لترجمة كتب موضوعة باللغة العبرية أو الإنجليزية. وتم إصدار 32 كتابا مترجما حتى نهاية 2011. (بحسب موقع مدار).
ومن بين إصدارات المركز كتاب «اختراع أرض إسرائيل»، من تأليف شلومو ساند، أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب، والكتاب من منشورات (مدار) والمكتبة الأهلية في عمان، كما أصدر المركز الكتب التالية: «فلسطين في الكتب المدرسية في إسرائيل – الآيديولوجيا والدعاية في التربية والتعليم» لنوريت بيلد – الحنان، و«نظام ليس واحدا» لارئيلا ازولاي وعدي أوفير، و«في مصيدة الخط الأخضر» ليهودا شنهاف، و«أسرى في لبنان» لمؤلفه عوفر شيلح ويوءاف ليمور، وكتاب «اختراع الشعب اليهودي» لشلومو ساند، و«سلام متخيّل – عن الخطاب والحدود، السياسة والعنف» لمؤلفه ليف غرينبرغ، و«قراءة إيران في إسرائيل – الذات والآخر، الدين والحداثة» لمؤلفه حجاي رام، ورواية «أراض للتنزه – رواية في شذرات» لعوز شيلح.
_____
*الشرق الأوسط

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *