صالون الديكامرون يتقصى حقيقة المومس في الآداب والفنون


*ابتسام القشوري

( ثقافات )

هناك أغنية يونانية مشهورة للمغني ” فاسيلي بابا كستندينو ” تقول كلماتها ” نشكر الله أنه لدينا عاهرات”، ومن كان منكم بلا خطيئة .. فليرمها بحجر ..؟ ترى كم عدد الذين سقطت الأحجار من يدهم نحو الأرض ، متأملين في أنفسهم ، ومراجعين لخطاياهم في إصدار الأحكام المطلقة على البشر؟ المومس. “الغانية”. “العاهرة” . “بائعة الهوى” هذه التسميات المختلفة لفئة بقيت مهمشة ومحتقرة فى المجتمعات سواء منها العربية او الغربية اهتم بها الأدب وأولاها أهمية خاصة الأدب الذي اهتم بالفئات الهامشية وحاول البحث عن أسباب امتهان المرأة أو الرجل لهذه المهنة وكان يتساءل من هي المومس المجتمع أم بائعة الهوى ؟ وبعيدا عن هذا الحكم الاخلاقى تناول صالون الديكامرون فى غرفة “كواباتا “صورة المومس فى الآداب والفنون قدمها الباحث فى الفلسفة عدنان الجدي بمرافقة الروائي كمال الرياحي وقد حضر اللقاء العديد من المثقفين من شعراء وكتاب ونقاد وصحفيين وتخلل اللقاء قراءات ومقاطع فيديو لأفلام وشهادات فى الموضوع.
وبدأ الجدي بحثة بتقديم المدونة التي اعتمد عليها نذكر من بين هذه الكتب كتاب “الأسود لون” لغريسليديس ريال ” وهي سيرة ذاتية، ولنفس الكاتبة أيضا “الماضي الوهمي” و”كتاب عاهرة ” لنيلى اركان وهي رواية واقعية. و”لدي أشياء أقولها لكم ” لكلار كار توناي وهو كتاب اعترافات، كتاب كواباتا “الجميلات النائمات”، “ومن منكم لم يخطئ للاب جون فيليب كتاب يتطرق لحياة المدمنين والمسجونين والعاهرات، كما أضاف كمال الرياحي مدونة باللغة العربية أو المترجمة فذكر أدب نجيب محفوظ الذي تطرق لهذه الفئة في أكثر من رواية “زقاق المدق “بداية ونهاية “”اللص والكلاب ” وغيرها، كما أشار إلى السدّ للمسعدى وبطلته ريحانة، و محمد شكري وثلاثيته “الخبز الحافي”، و “الشطار” و”وجوه “من الأدب المترجم ذاكرة غانيات الحزينات ومقال عن أدب كواباتا رواية 11 دقيقة لباولو كويلو، و كتاب لجان طنوس “المومس فى الأدب العربي”، ويوميات بودلير ترجمة الشاعر التونسي آدم فتحى ” شبابيك منتصف الليل”، و مجموعة أقاصيص لإبراهيم الدرغوثي. 
لمـاذا التطرق لهذا الموضوع ؟
يشير عدنان الجدي أن الأسئلة الصعبة التى لا تجيب عنها الفلسفة يجيب عنها الأدب فالعاهرة حقيقة المجتمع التى يخفيها ولا يتطرق لها فهي بالتالي الحقيقة التى يجب أن نبحث عنها من خلال هذه النماذج التخييلية. كيف قدم الأدب صورة العاهرة كيف تتحدث المومس عن نفسها فى كتب السيرة الذاتية؟، ماهي الأسباب التى جعلتها تمتهن هده المهنة،سبب اقتصادي أو سبب جسدي وغيرها، فالمومس ليست الوجه الحقيقي للأدب وإنما هي وظيفة من وظائف التخييل. 
من هي المومس ؟
يؤكد عدنان الجدي أن مؤسسة البغاء يدخل فيها الأحرار وليس العبيد. المرأة تدخل إلى هذه المؤسسة بكامل إرادتها.تحترف المهنة وتصبح لها زبائنها تنتقيهم وتكون أحيانا وفية لهم ولكن بعد ذلك تصبح أسيرة القوانين الداخلية لهذه المؤسسة. هناك أنواع كثيرة للمومسات تطور المفهوم والعمل حسب تطور الزمن فتجد بنات الشارع اللواتي لم يجدن مؤسسة تضمهن فينتصبن للحساب الخاص معظمهمن وافدات من الأرياف ثم مع بداية القرن السادس عشر ظهرت الغانيات مع ظهور المواخير ثم العاهرات في القرن الثامن عشر لتتطور المومس فى القرن التاسع عشر في وظيفتها وهندامها تعول أكثر على اللباس والتبرج ثم الصنف قبل الأخير الذى اصبح متواترا في القرن العشرين مع رجال الأعمال وهن صبايا؛ المرافقة جميلة مثقفة وتتقن أكثر من لغة ترافق رجل الأعمال في أسفاره المهنية أو غيرها، وعلاقتها به ليست مهنية فقط وإنما جسدية أيضا. النوع الاخير هي المومس التى تكبر في السن فتتقاعد وتصبح هي التي تدير شؤون البيت المغلق ولهذه المرأة خصائص جسدية ومعنوية لها نفوذ ولها شبكة علاقات كبيرة تلبس هنداما خاصا وهي بمثابة الأم لكل العاملات فى البيت. 
المومس نماذج سردية 
تجدر الإشارة أن هذه النماذج لا تقتصر على المرأة وإنما الكثير من الرجال امتهنوا هذه المهنة وتحدثوا عنها في اعترافاتهم أو سيرهم الذاتية.
من هذه النماذج نجد المومس الكريمة التي نجدها عند محمد شكري في الخبز الحافي، نور فى اللص والكلاب عند نجيب محفوظ غادة الكاميليا عند الكسندر دوما هذه المومس التى لا تراهن على المادة ولكن فى كثير من الأحيان تصاب بخيبة أمل. 
النموذج الثاني المومس المندفعة التي تقبل كل شيء في تعاملها مع الجسد الا الاغتصاب. المومس العشيقة التي تقع في حب زبونها نجدها عند ايميل زولا في نانا المومس الكادحة نجدها عند فيكتور ايغو في البؤساء، ثم المومس الالهية التي نجدها عند بودلير فى يومياته خاصة ولها مواصفات خاصة العفة الكرم والأصول.
من الدعـارة إلى الكتـابة 
رغم جرأة الموضوع والإحراج الذى يسببه، فالكثيرات ممن امتهن هذه المهنة كتبن سيرتهن الذاتية وتحدثن عن هذه المهنة أسباب امتهانها نتائجها الجسدية والنفسية وأول سيرة ذاتية في الفترة المعاصرة كانت لمارى تاريز” قصة عاهرة ” وكانت أول امرأة تتحدث عن هذا الموضوع بوجه مكشوف .
الجنس الثانى اليوميات الذي كتب فيه جان جينات وتحدث عن حياته ومثليته الجنسية وامتهانه لهذه المهنة .
الجنس الأخير هو الرواية وهناك نماذج عديدة يذكر الجدي منها رواية بعنوان “كربستيان ف ” وهي رواية تتحدث فيها كاتبتها عن حياتها انطلاقا من طفولتها الصعبة إلى اتغماسها فى الإدمان والدعارة رواية صدرت سنة 1979 وتحولت سنة 1981 إلى شريط سينيمائي. 
المومس فى الفنون الأخرى 
في الرسم هناك لوحة المحظيات les courtisanes لفارنار وكذلك الخاطبة ولوحات ادغار دوغاس la fete de la patronne ولبيكاسو فتيات افينيون، وفي السينما هناك من الشرائط مثل “لا أقبّل ” لاندراي تيشانى صدر سنة 1991 وكذلك فيلم “قبل أن أنسى ” شريط فرنسي في المسرح هناك مسرحية لبراشت “شجاعة” أمّ كتبها سنة 1939. 
بهذا المحور الأخير انتهت مداخلة الجدي وبدأت فترة النقاش بقراءة لمقاطع من المومس العمياء لبدر شاكر السياب ألقاها الشاعر والمترجم جمال الجلاصى ثم فتح النقاش لبقية الحضور لاثراء اللقاء بملاحظاتهم التي لامست كل محاور اللقاء. 
____________ 
كاتبة من تونس

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *