مكاييل جائرة


*بسمة النسور

غالباً ما تشكو زوجات المبدعين والكتّاب من انشغال أزواجهن الدائم، وتورطهم المستمر بالشأن العام، ما يأتي، في العادة، على حساب الجانب الشخصي والأسري لحياة الزوج، فهو بالضرورة دائم الاشتباك بالحياة العامة، كثير السفر، منشغل بمواعيد واجتماعات على مدار اليوم. وعلى فرض وجوده الفيزيائي في البيت، فإنه سينشغل حكماً في التواصل على النت، أو في متابعة القنوات الإخبارية، أو ينهمك في القراءة أو الكتابة، ما يضع الزوجات وأبناءهن في المرتبة الثانية على سلّم أولويات الزوج الطَموح المنهمك بصورة دائمة.

وكما هو معروف، فإن علاقة الكاتب بالحياة لا تنتهي بمجرد فراغه من الكتابة، لكي نفترض به العودة إلى البيت آخر النهار، مثل أي موظف تقليدي يباشر مهام وظيفته، رب أسرة عربياً طبيعياً، بكرشٍ متهدّل، يطمح إلى ترفيع إداري وشيك. ويشعر بسعادة خاصة في أثناء “لمّة” العيلة، ويسعى إلى تسديد قسط الشقة والسيارة، وتأمين مصاريف تعليم الأولاد. يرتدي بيجامته، المقلّمة على الأغلب، بعد أن يشتري حاجيات البيت من أقرب “مول”. يتناول وجبة الغداء، ويرتمي في مواجهة التلفزيون، متابعاً ما تيسّر من أخبار “الجزيرة”، أو مستمتعاً بمباراة كرة قدم، تجعله يفزّ من مقعده، بين حين وآخر، محتدّاً من “تياسة” لاعبين محترفين، يضيعون فرصاً لأهدافٍ محقّقة في مرمى العدو! 
ولأن طبيعة عمل المبدع واهتماماته في حقل الفن والأدب، وحتى السياسة، غير تقليدية، وتتطلّب حراكاً دائماً و”حركشةً” مستمرة بالحياة، ومشاركة في فعاليات وأنشطة لا تنتهي، لا يستطيع هذا الزوج، غير التقليدي، لعب الدور المفترض، والمريح جداً، للزوجة الحريصة على صورة التماسك الأسري. اللافت أنه، وعلى الرغم من تذمّر الزوجة، واعتراضها ونقمتها أحياناً، غير أننا نلمس بين السطور زهواً خفيّاً، سوف يعتري نبرة صوتها، وهي تتحدث عن مزاجية زوجها وغرابة أطواره، وكثرة انهماكاته، وتعدّد معارفه وعلاقاته وتشعّبها، ومطاردة المعجبات المفتونات بمنجزه الإبداعي. وقد تتطرّق زوجاتٌ متفهّمات للحديث عن دعمٍ موصولٍ يبذلنه في سبيل نجاح أزواجهن. كما يحظى المبدع بكل أشكال الإقرار والمباركة والاحترام من المجموع، وتنفتح أمامه الفرص، انطلاقاً من نقطة تمييزه الإبداعي. 
واقع المرأة المبدعة، الأسري والاجتماعي، من حيث الاعتراف والدعم والقبول والإقرار، مغاير تماماً، بصرف النظر عن مدى تميّزها وجديّة مشروعها. وذلك بسبب خروجها عن الصورة النمطية التي تربّينا عليها، وفق مناهج التربية والتعليم. إذ ليس بالضرورة أن الماما تطبخ، والبابا يقرأ، من حيث المبدأ، أحياناً، وعلى سبيل الاستثناء، يحدث العكس تماماً، فتكون الماما مولعة بالمعرفة، مبدعةً بالفطرة، و”تقترف”، في الوقت نفسه، فعل الكتابة والتميُّز والشهرة، وقد لا تمتلك أي مهارات في المطبخ، ما يجعلها، في نظر المجموع، امرأة خرقاء لا تستحق لقب زوجة ملائمة. ويعتبر زوجها، والحال هذه، رجلاً منكوباً عاثر الحظ، يستحق أقصى درجات التضامن، بسبب تعرّضه للغبن، ذلك أن شؤون التدبير المنزلي واحدة من وظائف المرأة الأساسية، بحسب النظرة السائدة التي تعفي الرجل من هذا العبء. وإذا لم تضطلع بمسؤوليتها هذه، فإن خللاً ما يعتور شخصيتها. ولن يشفع لها مُنجزها مهما بلغ، وسوف تظلّ مطالبة بتبرير نفسها، والاعتذار عن تميُّزها، واستقلالية شخصيتها، الذي سوف يجيَّر لتسامح الزوج وتفهّمه!
ولو برعت في المجالين، فأثبتت حضورها في عالم الكتابة الشرس، والحافل بالمطبّات، وتمكّنت، كذلك، من القيام بأعباء البيت والأولاد، فإن المجتمع لن يتخلّى عن إدانته المسبقة نساءً خرجنَ عن السرب، وحطّمن صورة نمطيّة مجحفة، وسوف يحدّق فيهن دوماً بعين الريبة والاستخفاف، ضمن تقسيمٍ جندريٍ بائس أجهز على نفسيات نساء واعدات، وقوّض أحلامهن، وكسر نفوسهن العزيزة التي خُلقت لتكون حرّة! 
________
*العربي الجديد

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *