عن الكتابة المصرية في ربع قرن..أدب الـزوال


*حسام نايل

الغرفة صورة مُكبّرة للجسد، يلجأ إليها الإنسان فتحويه آمنًا دافئًا كما يحوي الجسدُ الفردَ. وكالجسد تقيم حوائط الغرفة حدودًا حول الفرد فتَحول دون اتصال آخرين به مؤقتًا. أما نوافذها وأبوابها فتحاكي أعضاء الحسّ فتسمح بخروج الذات إلي العالم ودخول العالم إليها. تتعدد الغرف فنكون في بيت أو منزل، ويصبح لكل غرفة وظيفة تحاكي وظائف الجسد الأساسية، فالمطبخ للطعام، والحمام للإخراج، وهكذا. “البيت” وإنْ كان موضوعًا منفصلاً عن الجسد فهو يمثل توسيعًا له: يحقق دافعًا أصيلاً لدي الفرد نحو التمدد والتوسع من خلال إنشاء أفعال فيزيائية، فتصبح لدينا الحركة الممتدة الآتية: من الجسد، إلي البيت،..،..، حتي الوطن. أما الدولة فهي أفق روحي حديث للتعبير عن أحوال التمدد الفيزيائي عند الفرد

.
القسوة
القسوة حال وجداني: منتهي النشوة صراخٌ؛ إحساس يطيقه الفرد وإنْ كان غير محتمل، يفلت من اللغة ولا تطيقه لغة. كذلك الألم الشديد. في منتهي النشوة، كما في الألم الشديد، يعود الفرد إلي أفعال جسده وحدها: الاهتزاز من قسوة المتعة أو من قسوة الألم. القسوة حال وجداني برأسين.
عند الشعور بالقسوة يضمحل العالم ويذوي، فلا يبقي سوي انشغال متوتر بالجسد وحده. لو أمكن الجسدُ التمددَ قليلاً فسيشمل حيز العالم الأصغر: البيت وما فيه من زوجة وطفل محتمل؛ حيث يضيق العالم مُتجمّعًا في البيت، ويَتركَّز. “البيت”- رمزية الأسرة الصغيرة- صار حاليًا مسرح لعبة قسوة. شديدة العنف. لأن الرأس الأخري انفصلت. ارتباك التمدد الفيزيائي أصبح متبادلاً بين “البيت” و”العالم خارج البيت”.
الانفصال المكتمل
إنْ لم يتمدد الجسد ليشمل حيزًا آخر غيره سنكون “عباس العبد” الذي كتب عنه أحمد العايدي في كتيبه السردي “أن تكون عباس العبد” (دار ميريت، 2003). وإنْ لم يكن بمقدور الجسد سوي التمدد قليلاً- فيشمل البيتَ بأسرته الصغيرة- فسنكون “إبراهيم” والزوجة بلا طفل والكاميرا والعشيقة الذين كتب عنهم منتصر القفاش في روايته القصيرة “أن تري الآن” (دار شرقيات، 2002). في الحالين لن يوجد سوي القسوة والتعاسة. لكنها التعاسة الأعنف من كل تعاسة: أجساد ساقطة إلي ما دون مستوي العبيد.
تعاسة التعاسة: مجيءُ جهنم قبل مجيء الموت. جهنم بلا موت ودون الموت. 
يعبّر مصطفي ذكري عن هذه الحال في أعماله الأدبية تعبيرًا جليًا، وعلي الأخص في روايته القصيرة جدًا “ما يعرفه أمين” (دار التنوير، 2012): ردَّة فعل أدبية عنيفة علي مجتمع منفصل بلا أفق واضح سوي الانهيار. العدمية المتحركة في واقعٍ منفصلٍ انتقلت إلي الأدب وسَكَنَتْ (بكل معاني كلمة “سكنت”).
العدميةُ حالُ إنكار مطلق لا يكفّ عن التصاق شديد بموضوع الإنكار، حيث ينحطّ العدميّ إلي أقل من منزلة العبد: الدناءة. العدمي مريض بجسده، إرادته مفصولة لا تقع علي شيء فهو نَهْبٌ للأحداث وفريسة للصيرورة دون حول أو قوة. إن العبد بالنسبة إلي العدمي واعدٌ؛ لأن بمقدوره تحويل “لا” إلي “نعم”. حرية العدمي تجريد محض حيث يكون الكاذب قد كذب علي نفسه أولاً؛ لأن “لا” التي يقولها العدمي محض “وهْم”. العدمي أقل من العبد ولن يصير يومًا سيدًا. فإنكاره الوهْمي لا يجعله يحظي بنعمة السيد ولا بنعمة العبد إلا علي مستوي الوهْم. الدناءة والانحطاط والتعاسة: حضور جهنم دون جهنم. ذلك هو “ما يعرفه أمين”، وغير المنسجمين مع المجتمع.
المُتَطَلِّبُ باستمرار ولا يشبع: مجتمع العلاقات المنفصلة. بلا نجدة أو أمل. تعاسة التعاسة أن نحيا في مجتمع صارت فيه العلاقات بلا علاقة. 
المجتمع المنفصل: انهيار كامل بسبب القسوة. وحين اكتمل الانهيار وشاعت العلاقات المنفصلة في المجتمع تَهيَّأَ للظهور “أدبُ الزَّوَال”، ومهمتُه الغالبةُ حاليًا الإشارةُ إلي الانحطاط وتوقيعٌ عليه. 
أدب الزَّوَال
“أدب الزوال” أفق روحي جديد مُلْتَاثٌ يعبر عن الانحطاط في أشكاله القصوي المتطرفة أو يدق أجراسَ توقعِ خطرٍ ماحق علي الأبواب. يَشْهَدُ أو يُحَذِّرُ من أنه سَيَشْهَدُ. إنهم مجموعة من الكُتَّاب نُزِعتْ من قلوبهم الرحمة فلم يرحموا أنفسهم أو أحدًا. الرحمة علاقة مكتملة واعدة، والمجتمع علاقات منفصلة غير واعدة؛ اهتزت فيه حدود الشخص المُفرد: الإنسان المنفصل. وهو ما أدي إلي اهتزاز- أو سقوط- روابط الأسرة الصغيرة وعلاقات الصداقة والاجتماع والسياسة. الاهتزازُ أو السقوط أو الانفصال متبادلٌ ليس فيه سبب ونتيجة عن سبب مُتخيّل. “أدب الزوال” عَرَضٌ علي هذا الانفصال والانهيار، علامة مشرئبة وشاهد منتصب. أنا أتكلم عن “الأدب” الذي كُتب علي مدي ربع قرن ماضٍ بدءًا من منتصر القفاش- أول التسعينيات- حتي الآن. 
المكان مقولة فيزيائية فلسفية. وشبكة الإنترنت بلا مكان أو محلٍّ يؤيها. المكان لقاء وتفاعل. شبكة الإنترنت انفصال: الانفصال المكتمل. عولمة الممارسات الجنسية شجعت عزلة مقيتة وأسهمت في الانفصال. صارت العاطفة باردة. تصورُ الجسدِ اعتورته خوارج غريبة. وثورات أغرب. 
العلاقات المنفصلة: علاقة دون علاقة، في الفضاء الوهْمي للتكنولوجيا فائقة التقدم حيث تُفَرَّغُ الرغبةُ من موضوعها وحيث يكون الكاذب قد كذب علي نفسه. 
في عمله “السرائر” (دار شرقيات، 1993) كَشف منتصر عن غياب “القصيدة الجامعة”. كاتب النثر يتلقي العزاء بأسي ملتاع، وهو نفسه لم يكتب بيتًا شعريًا واحدًا. كان العقاد ينبّه إلي فجيعة يأتي بها انتشار النثر تصيب المجتمع. وبمرور الوقت صار الكاتبُ المُلتاع المنكوب بمشاعر الحنين عديمَ الرأفة، فالتقط أصداء مجتمع مهزول مُحَطَّم في روايته القصيرة “مسألة وقت” (روايات الهلال، 2008): أخذه النثر والانتثار في المجتمع المصري المنتشر في كل مكان إلي حيث اللامكان: انهيار أسس الفيزياء. 
العلاقة الجنسية الخاطفة بين مدرّس الرياضيات والتلميذة العائدة من الموت تشي بهذا الانهيار. ضباط متقاعدون حولوا المجتمع المصري- الزراعي المتأهب إلي قدر من التصنيع- إلي مخازن سلع وافدة من كل أنحاء العالم، ومواقع توزيع. الاستهلاك انتشر وتمدد في مجتمع مُحتاج فصار يُخْرِجُ اللسان ويهزأ متلاعبًا. في “مسألة وقت” انهارت الفيزياء والرياضيات وتاهت روح المصريين. يتساءل هذا العمل الروائي القصير تساؤلاً ماكرًا عن خطة التقاعد المبكر. نظرية تأثير الفراشة في الفيزياء مفيدة في اكتشاف علاقات غير مأهولة بمنطق في الأدب. 
مبدأ المشكلة
منذ أواخر السبعينيات والروح المصرية تائهة في الدروب والمسالك البعيدة الغريبة. بداية انهيار كامل في نظام القيم الذي يحكم علاقات المجتمع بفعل تغريب عشوائي دوافعه مُريبة. نحن الجيل الذي عاش تهيئة الانهيار: عبث باقتصاد مصري ناشئ أنتج العبث بكل شيء. فردية مشوّهة استحكمت، تستمد معيارها من نظام الشهوة. تكلم هيجل عن رجل الشهوة وقال إنه يبدأ من الخواء كي ينتهي إلي خواء. دائرة التعاسة والخيبة. رجال تافهون أشاعوا التفاهة في المجتمع وأحكموا غلق الدائرة حتي صار المجتمع إلي انفصال.
الانفصال مفروض فرضًا، اندرج فيه المصري مستغربًا مندهشًا. فالرجال التافهون أنشأوا اقتصادًا تافهًا وأعمالاً تافهة. وتحكموا في التعليم. وثمة تافهون آخرون يسعون إلي التلاعب بنظام الثقافة المصرية كي يتماشي مع اقتصاد تافه قائم حاليًا: الاستهلاك في كل شيء بدءًا من أكياس الشيبسي انتهاءً بالكتب الأكثر مبيعًا؛ وبدءًا من الأغاني المزعوم أنها شعبية تضجُّ بها الميكروباسات والتوكتوك انتهاءً بالمسلسلات التلفزيونية وأفلام السينما. فالانحطاط يُعاد إنتاجه وتداوله بدءًا من أدني الفئات الشعبية انتهاءً بالشريحة العليا في الطبقة الوسطي المصرية.
الرائجون
كان من نتيجة هذا السقوط المروِّع سقوطٌ آخر عنيف مُلاحَظٌ منذ عقد ونصف، وتَبَدِّيه الحالي شديد الخطورة: تلاعب بعض دور النشر المصرية بصورة “كاتب الأدب” علي نحوٍ يُراد منه شَغْل الثقافة المصرية بـ”كَتَبَة نَقَلَة” يتملقون أذواق قرّاء محدودي الوعي فيعيدون إنتاج الأذواق نفسها، متعمّدين تسطيح الأفكار والمشاعر وتنميط عناصر الجمال؛ يُحولون الترفيه إلي تغييب للوعي الجمالي والقيمي والاجتماعي والسياسي حتي تصير عناصر الثقافة سلعة تهدف إلي الربح والتفاهة وإعادة تشكيل وعي زائف.
تشابهات مُمِلّة بين بعض الكتب السردية تصل إلي درجة التطابق في استخدام اللغة وتصوير الشخصية والحبكة ولحظات الفصل والوصل ولعبة التشويق غير المختلفة في شيء عن اختلاف أكياس الشيبسي عند أطفال صغار. كارثة الذوق الأدبي الرائجة حاليًا تجعلنا نريد الاستفهام عن الأغراض الحقيقية، وبخاصة حين نضع أيدينا- في تلك الكتب- علي ألعاب استدلال ساذجة تعتمد التجاور بهدف تزييف الوعي التاريخي لدي قرّاء بسطاء حصلوا علي شهادات جامعية محلّ تساؤل ويقضون الوقت الطويل أمام شاشات الكمبيوتر والهواتف المحمولة وهُم يلتقطون رقائق الشيبسي ويشربون النيسكافيه في أكواب ضخمة!! 
ما يُقال إنه متعة أو تسلية في تلك الكتب لا يختلف عن المتعة الناشئة عند مراهقـ(ـة) يزاول فعل الاستمناء. الكَتَبَة النَّقَلَة يُعاد تغليفهم. والاستمناء يُمارس علي نطاق واسع اليوم. مخاطر هذا النوع من السرد أنه يُعيد تشكيل الوعي والذوق، مثلما يُعيد الاستهلاكُ تشكيلَ نظام القيم: الإنسان المنفصل عن نفسه وروحه وتاريخه ووطنه.
الجامعة في الدولة الحديثة أفق روحي متطلع وثَّاب يحتاط له علماء اجتماع وفلاسفة ومفكرون وكُتَّاب أدب كبار وسياسيون عاقلون. لم يحدث هذا. صارت الجامعة المصرية تسهم في إنتاج الانهيار وإعادة توزيعه في كل أنحاء المجتمع. 
الرائجون والكَتَبَة النقلة طفيليون يحققون أعلي المبيعات، ويختلفون كليًا عن كتّاب “أدب الزَّوَال” الذين نتناول بعضهم هنا والذين يأخذون علي عاتقهم تحمّل مخاطرة الكشف الأدبي الرفيع عن تغير أبنية الإحساس في المجتمع تغيرًا حادًا وقاسيًا بطريقة لم يشهدها الأدب المصري المعاصر منذ جيل الستينيات.
إنهاء الحكايات الكبري
لا ينبني “أدب الزَّوَال” بمقتضي التطلع أو التفاعل. “أدب الزَّوَال” منفصلٌ لا يتجمّع فيه مصير أو حكاية كبري (ليوتار)، وإنما تكمن ميزته الأهم في قدرته علي ترجيع أصداء انهيار كبير.. وإنْ كان “أدب الزوال” أفقًا روحيًا جديدًا فهو أفق مُلتاثٌ لأن اللوثة تحيط به من كل جهة. يشير إلي الأمراض وبعضُه مَرَضٌ يعيد توزيع الأمراض مؤكدًا الانفصال والتعاسة.
الأدب العظيم، ارتياب الآباء وحنينهم
الروح المصرية الحديثة قلقة متوترة؛ لم تكن يومًا بمعزل عن العالم المحيط، عنوانها شخصية ميخائيل في خماسية إدوار الخراط. ترسيمة المجتمع الحديث الوافدة تخلو من إله ولا يصدق ميخائيل ذلك. ميخائيل علامة ارتياب حديث وحنين متوتر. يريد ميخائيل إلهًا بأي ثمن. وعلي طريق إرادته الطويل الذي يقطعه وحيدًا معزولاً، تساوره الشكوك ويقع في عثرات. لقد تَجَمَّع في ميخائيل مصيرٌ حديث بأكمله: فقدان حائر مُلتاث منذ أواخر السبعينيات حتي الآن. ميخائيل عنوان بارز بالخط الثقيل علي وجودِ هدفٍ وعثرات في طريق الهدف. 
يعرف الخرّاط معني احتمال مصير مجتمع في أدبه. فلم يكن ميخائيل عبثًا أو لعبة أدبية فارغة. لقد تجمّع في أدبه مصير حديث يُعانيه متوترًا بلدٌ عريق لا يُستهان بروحه الأصيلة الممتدة. بلد يقف عند مفترق طرق ينظر بعينٍ إلي جديد حديث غريب عليه وعينه الأخري علي أحمال روحية يحملها فوق ظهره خشية أن تتبعثر متفرقة في الدروب العسيرة المُلغزة. عرف الخرّاط- حافظ اللغة العربية الداهية والخبير العاكف علي الفكر والأدب الفرنسي المارق والأدب الإنجليزي الهادئ حينًا والصاخب حينًا- معني احتمال مصير حديث متوتر لوطن قديم مثل مصر. فلم يعبث أو يله. الروح المصرية منذ الفراعنة حتي الآن لا تغيب عنها- ولم يغب عنها- أنها مسئولة في الحياة وبعد الموت. ومُغرمة بالمسئولية. كان الخرّاط يحرص علي تلك الروح حرصًا مُغاليًا ويسأل الأسئلة الحديثة وما بعد الحديثة المتوترة فنشأ ميخائيل الحنيني المرتاب. غياب الحكاية الكبري (ليوتار) أو أنساق التفسير المألوفة عن بنية عمل أدبي، قد يشير إلي توتر معها أو رغبة غير ناجزة في الحضور. 
مشكلة ميخائيل الحادّة أنه يحيا في عالم تغيب عنه الحكايات الكبري، ومحبوبته رامة تجسيد عملي علي هذا الغياب؛ فهو نفسه صار حكاية صغري ضمن حكاياتها العديدة المُريبة المتشذرة. ولننتبه إلي دقة الكاتب اللطيف ومكره الأدبي؛ فشخصية ميخائيل من أولها إلي آخرها حكاية كبري في عالم نثري مفكك الأوصال بلا حكاية كبري. الكاتب الكبير لطيف خبير بمعني احتمال الأدب مصيرًا حديثًا يعانيه بلدٌ، بل مصيرَ الإنسان أي إنسان أيضًا. 
تعاسة “ميخائيل” إدوار الخرّاط رفيعة عالية ومهيبة جليلة كتعاسة “عرفة” نجيب محفوظ. وهاهنا يكمن الشَبَه الأغرب؛ فـ”ميخائيل” يتلمس الحكاية الكبري في عالم بلا حكاية كبري، ولكنه مقطوع منفصل رغمًا عنه، قطعته “رامة” أشلاء ففصلتْ ولم تجمعْ. استيقن ميخائيل من أن العالم محبِط غير عادل في الحب والجنس والسياسة. مصر أيضًا تفرقت عن نفسها وسلكت مسالك غريبة في السياسة والاجتماع والاقتصاد. ومع ذلك تظل لميخائيل ذكرَي، ويظل مُريدًا القانون الأكبر، لكنه مفصول. أما “عرفة” في “أولاد حارتنا” فلديه كل الحكايات الكبري، يسمعها آناء الليل وأطراف النهار. لكنه مرتاب متشكك. الحكايات الكبري في “أولاد حارتنا” إرثٌ وحياة راهنة. ويريد “عرفة” الاستيقان من اليقين فخسر اليقين حين أراد اليقين. لم يفقد “عرفة” الحكايات الكبري فحسب، وإنما فَقَدَ مصدرَها الأصلي أيضًا. أراد “عرفة” تحقيق العدالة والقضاء علي الفتوات الظَّلَمَة. ولمّا كانت هذه الإرادة قانونًا وقضية كبري، اجتماعيًا وسياسيًا وأخلاقيًا، ثم لمّا كانت القضايا الكبري في الحارة تكتسب كونها حقًا أصليًا من الجد العظيم “الجبلاوي”، ثم لمّا كان الجد العظيم معتزلاً منفصلاً لا يدعو حفيدًا إليه أو يرسل- قرر الحفيد الأخير “عرفة” الذهاب إليه دون دعوة. أولاً، حتي يستيقن بنفسه. وثانيًا، حتي يحوز الحق والمشروعية الأصلية. فخسر الخسران الأكبر حين إرادته الحق الأكبر. ولم تعد توجد حكايات كبري. لكن “عرفة الساحر”- فاعل الأعاجيب الحديثة في الدنيا الجديدة- صار هو نفسه حكاية كبري حديثة تقلق المصريين المحدثين قلقًا دينيًا وأخلاقيًا وسياسيًا؛ قلقًا أشبه بالقلق الذي تسببه أوربا الحديثة: صداع الرأس في مصر الحديثة. 
تلطّفَ محفوظٌ غايةَ التلطف. فهل يريد الكاتب الجديد المتميز نائل الطوخي تحمُّل إشكال آخر في روايته “نساء الكارنتينا”؟! أم أنه ترجيع أصداء بخطة أدبية عجيبة ولُغة مُريبة؟
التوقيع علي الانفصال المكتمل
تكمن قيمة بعض كُتَّاب “أدب الزَّوَال” في المقدرة علي تشخيص العلاقات المنفصلة والشروع في انهيار كبير. أليس من علامات الانهيار الكبير- وانفصال أكبر- التلاعب بواقعة الموت والتواطؤ علي التلاعب في رواية محمد ربيع “عام التنين” (الكتب خان للنشر، 2012)، تلاعب يمضي في خط متوازن مستقيم مع استحكام تلاعب نظامِ حكمٍ- في عقده الأخير- بتصور الدولة المصرية ومفهومها؟ 
ادّعاء الوفاة- وإثبات الادّعاء في أوراق رسمية بشهادة شهود- يشير إلي انفصال معقد متضاعف عن الحياة نفسها والموت نفسه، ويترافق مع انفصال آخر عنيف: بين نظام التفكير ونظام اللغة. 
عِلّةُ “الحُبْسة” التي يعانيها المواطن المصري- المدعو “نعيم”- عَرَضٌ علي انفصال مستحكم بدءًا من رأس الدولة حتي العلاقة الداخلية بين المرء ونفسه؛ بين ما يفكر فيه المرء مُرِيدًا قولَه وبين ما يقوله فعلاً. الحُبْسة بما هي مَرَضٌ في “عام التنين” تثير ريبًا كثيرة في أساليب الحكم والقيادة، الأخطر أنها تثير الريب في صورة الدولة المصرية ومهماتها منذ أواخر السبعينيات حتي الآن، وتقول ضمنًا إنها تحتاج إلي علاج أو تحويل جديد. الحُبْسة تعاسة غريبة يعانيها المواطن المصري. وقسوة. تعانيها الدولة. الحُبْسة انهيار في النظام وعلاقات اجتماعية منفصلة بعد أن أصبح الوسيط التافه غير المقصود لذاته- الأوراق النقدية- مقصودًا لذاته فيصنع كل قيمة لا قيمة لها. حلّت قيمةُ الاستهلاك محلّ قيمة الاستعمال. وعَلت عليها. فالأوراق النقدية والسلع تَخترع نظامَ قيم غامضا، منحطّا، يرتاب فيه المصريون وإنْ خضعوا له وقتًا. والقائمون علي المؤسسات قساة تعساء غريبو الأطوار. أصبحت السلطة تعاسة تسهر علي التعاسة في المجتمع. التعاسة في “عام التنين” انفصال عميق وغريب في منطق السبب والنتيجة. 
الوفاة المزعومة جعلت الشخص الذي زعمها لنفسه بأوراق رسمية يري الحياةَ حلمًا بعيد المنال والموتَ حلمًا أبعد. تقول “عام التنين” إنه لم يعد يوجد حَلّ؛ لا من جهة الحياة ولا من جهة الموت. أحكمت الدائرةُ انغلاقَها والطرق مقفلة. لكن التحذير الضمني الذي تقوله “عام التنين”، بلا قول، هو الآتي: 
عزيزي صلاح: مصيبة التكرار تكمن في تخيل وحدة الزمن وتجاهل اختلافه؛ فبمقدور مجتمع- أو نظام حكمٍ سياسي- أن يكرر أفعاله ولكن ليس بمقدوره أبدًا تجنب فاجعة نتائج اختلاف الزمن الذي تقع فيه الأفعال المتكررة. 
من العدمية الشكلية 
إلي الأناركية العنيفة
بدأتُ هذا الكلام المتعجِّل بحديث عن الجسم والبيت والوطن والدولة، ثم عن النشوة والألم. فلماذا النشوة والألم؟ لأن النشوة والألم من أخص خصائص جسد مُفْرَدٍ. يُجَرِّبُها وحده ويُعاني. ولا ينتقل الإحساس بهما إلي أجساد أخري، أو يدخلان إلي حيّز الشعور لدي آخرين، إلا عبر التفاعل. صار المصريون الآن إلي التفاعل مفتقرين. أثناء التفاعل تنشأ العاطفة ويحدث تبادل شعوري لطيف مُحَبَّبٌ لدي الإنسان؛ تنشأ الرقة والعذوبة المشتركة. فإنْ لم يحدث؟ أترك
مصطفي ذكري- العدمي الجديد- يحدثنا عن المستقبل. في مشهد تنبؤي شاعري مستسلم يجسد مصطفي في عمله الأدبي القصير “مرآة 202” (منشور ضمن، “ما يعرفه أمين”، دار التنوير، 2012) صورة المستقبل تجسيدًا محايدًا باردًا لا يبالي، فيقول: “ليس هناك فكاك من هذا التصور. أنا في وسط جزيرة كما أن هناك آخرين في جزر مشابهة. لا أحد يعرف السباحة، أو يحبها، أو يحلم بتعلمها. والحال أن كل واحد منا يقبع في وسط جزيرته يفكر في الآخر، يفكر أن الآخر يعرف السباحة ويحبها ويتمرن عليها يوميًا في البحر الكبير. ولهذا ينتظر كل واحد منا، ضيفًا من جزيرة مجاورة. انتظار تلك الزيارة يبتلع المستقبل كله، ومع الوقت يُنسي الضيف، ويبقي الانتظار بكل سكونه مفتوحًا علي المستقبل”.
ترسيمة العدمية الشكلية: علاقات منفصلة، وعلاقة دون علاقة. مجتمع بلا أشخاص، وجزر منعزلة حيث الوهْم هو أكثر الأحوال التصاقًا بالحقيقة. أما الانسحابُ من الحياة الاجتماعية والسياسية والتاريخية فآمِلٌ في العودة. يأمل أن يعود، ويرجو أن يعود، ولو عبر الموت- وحيدًا- علي هيئة ذكرَي؛ لأن أنطولوجيا الانتظار المرصودة- هنا- هي انتظار الموت وتهيئة الجسد لاستقباله. حركة انتظار الآتي الذي لابد أن يأتي. لأنه حتمًا سيأتي. وحين يأتي سيكون خفيفًا، بهيجًا، مبهجًا. كطيف الحبيب. العدمية هنا مسئولة عن نفسها وترعي نفسَها فقط. أوَليست نراها؟! في البسمة والهمسة واللقاء الحميم حيث يختفي كل ما يأتي. وعند الغروب.
حين يكون الانتظار من أجل شيء فهذا أقل القليل (بلانشو). الانتظار الحق لا ينتظر شيئًا. لماذا؟ لأن أنطولوجيا الانتظار هنا إنكارٌ مطلق. ينكر حتي نفسه. كَمْ هي مستأنسة تلك العدمية!! هادئة بلا ضجيج وإنْ كانت محيرة. عدمية محيرة لأنها تأمل في العودة والانقلاب علي نفسها؛ ما دام النسيان لا يعرف أن يكون نسيانًا. وسيظل الضيف المنسي يُخايل دومًا بنفسه وباحتمال مجيئه. 
زمن التعاسة النسيان بلا نسيان (دريدا). عندما تعمل اللغة ضد نفسها لا نستطيع أن نتدخل، وتفلت كل اللغات: العدمية ضد نفسها. 
مصطفي ذكري كاتب عدمي شكلي هادئ، يلعب مع نفسه ومع القارئ، وأغراضه مقبولة نسبيًا. العدمية عنده انسحاب شخصي سياسي واجتماعي وتاريخي بلا أدني ضجيج؛ اعتراض وجودي صامت، أو كما قال في مقدمة رواياته الست القصيرة جدًا المجموعة في كتاب تحت عنوان “ما يعرفه أمين!!” (دار التنوير، 2012)، اعتراض يزهد في الوطن والتاريخ والجماعة والسياسة والقضايا الكبري. لكن في ظروف سياسية واجتماعية معينة قد تتحول العدمية الشكلية الهادئة إلي فعل إيجابي خلاق يشارك في حكاية كبري. 
أما الأفعي الأناركية الضخمة التي كتبها نائل الطوخي فحكاية أخري، وصِفَة الأناركية مؤقتة إلي حين فحص دقيق. ولَكَمْ وددتُ لو أني عالِم اجتماع وفيلسوف وأنثروبولوجي وخبير في وضع الخطط الاستراتيجية ودراسات المستقبل وعالِم تحليل نفسي وعالِم في التاريخ ثم أخيرًا ناقد أدبي كبير متعدد المناهج؛ كي أتتبع بالتحليل العميق كل فقرة ومشهد في رواية “نساء الكارنتينا” (دار ميريت، ط 2، 2013). لكن لسوء الحظ، أنا مجرد قارئ هاوٍ.
فلنقل الآتي مؤقتًا إلي حين درس تفصيلي: رغم التنويعات المتباينة في الأناركية، ورغم ما يقال من أن ترجمتها إلي “الفوضوية” مُسيئة مُغرضة، فسنحدد للأناركية وصفًا انطلاقًا من “نساء الكارنتينا”. الأناركية حالة فوضي عنيفة تتخذ من نظام الشهوة الفردية مركزًا إلزاميًا بادئًا. المقصود بالشهوة هنا وجهة نظر الفرد البسيطة الساذجة التي تجعله معاديًا لتصور الدولة وما يترتب عليه من إلزامات دستورية قانونية، انطلاقًا من الهوي والنزوة. ولأن الملمح الأوليّ البارز في “نساء الكارنتينا” يتعلق بالجنس والقتل المُمارَس علي مدي جيلين كاملين تتناولهما الرواية، فإن الاعتراض الأناركي يسعي عمليًا إلي نفي جذري دموي وعنيف للتدبير الأخلاقي والسياسي والاقتصادي في المجتمع، كردّ فعل علي عنف أكبر تمارسه دولةٌ ارتضتْ لنفسها أن تتحقق عينيًا من خلال مؤسسة أمن داخلية فقط. تقول “نساء الكارنتينا” ضمنًا إن الخلل في تحقيق الدولة واقعيًا سيقابله حتمًا إحداث فوضي عارمة في المجتمع يُوجّهها علي طول الخط نظامُ الشهوة فقط.
الأناركية في جانب منها، إذن، اعتراض سياسي وفكري جذري يتوسل بالعشوائية والقتل، ساعيًا بكل طاقته إلي الإزاحة والنفي السياسي الاجتماعي من أجل قلب عنيف للنظم القيمية والسياسية والاقتصادية القائمة.
> > >
يقول هيجل إن الأصل في الدولة وحدة كاملة بين الكلي والفردي. أما إنْ صارت غايةُ الدولة الأمنَ وحماية الملكية الخاصة والحرية الشخصية فهذا معناه حدوث التباس بين لحظات تطور الدولة التاريخي وجوهر الدولة الحديثة. وعليه، لا يصح أبدًا أن تكون طريقة التحقق العيني لفكرة الدولة من خلال مؤسسة أمن داخلية. وحوادث عام 2011 نتيجة منطقية من نتائج هذا التحقق المغلوط لفكرة الدولة: انفصال كامل بين الفرد والدولة كان بدوره نتيجة انفصال معقد ومتراكم تدريجيًا في نظام الأسرة وعلاقات المجتمع والاقتصاد. وعلينا الانتباه، فنحن لا نتحدث عن نظام حكم بل عن الدولة التي تتخذ من نظام الحكم أداتها العليا الأخيرة كي تُحقق عينيًا فكرتها الشاملة (هيجل).
في “نساء الكارنتينا” يتنبأ نائل الطوخي بنتيجة أخري حتمية إنْ استمر هذا التصور المغلوط أو إنْ لم تُعبر الدولةُ الجديدة المرتقبة عن تحويل خلاق يريده المصريون. وإني لأدعو كل القراء المحتملين لهذه الرواية إلي عدم الاستخفاف بها، وحملها علي محمل الجد.
يتحقق في “نساء الكارنتينا” انفصال مكتمل: وحْده الوهْم هو المقدس ويكون المدنسُ حقيقةً؛ بحيث تصبح أعلي درجات الوهْم هي أعلي درجات المقدس (فويرباخ). كيف حدث هذا؟
في “نساء الكارنتينا” شخصيات تؤكد لأنفسها دومًا أن الحقيقة حاضرة- وعلي نحو مباشر- في آرائهم الساذجة البسيطة. النتيجة: أولاً، فشل في الارتفاع بأنفسهم وذاتيتهم إلي مستوي الوعي بالحقيقة ومعرفة الواجب والحق الموضوعي (هيجل)، ثم ثانيًا الحمق والكراهية الشديدة وتدمير النظام القيمي والأخلاقي بأكمله (هيجل). ويتزامن هذا الموقف في مجمله مع التباس عميق في جوهر الدولة الحديثة. الالتباس المقصود مُفاده أن مؤسسة الأمن الداخلي كانت- وحدها- هي التي تقود الدولة وتحدد شكل تحققها العيني. الآراء الساذجة البسيطة تقابلت من خلال نظام شهوة تبادلي. 
حين تترابط السياسة مع القتل تصبح الدولة- بما هي فكرة شاملة متعيّنة ووحدة كاملة بين الكلي والفردي- مؤهلة للسقوط. يتكلم نائل الطوخي عن تحقق هذا الاحتمال مستقبلاً. كذلك أيضًا تتكلم الأناركية العنيفة بلغة غامضة عسيرة.
تقول “نساء الكارنتينا”- بلا قول- بما أنه قد حدث التباس في تصور الدولة وطريقة تحقّقها فقد حدث الانفصال بين الفرد والدولة. وصار المجتمع إلي علاقات منفصلة. لم تعد هناك قيمة وانهار كل نظام القيم. الأخطر: أن يستمر النظام ويعمل بطريقة مزدوجة وحسب الطلب. حين تقال القيمة أو يُلوّح بالتوقيع عليها يكون المقصود هو العكس. عند هذه اللحظة يصبح القتلُ متعةً والجسدُ محلَّ انتهاك مستمر وبلا حُرْمة. وستجد غرائزُ الإنسان غير المقننة أو المنضبطة طريقَها إلي الشارع عبر انضباط وتقنين فردي خالص، يتحكم فيه الهوي ونزوات عابرة، فلا يعترف بالدولة ولا بنظام المجتمع. وينهض ضد الدولة والمجتمع. في الجيل الثاني من “نساء الكارنتينا” يترابط الفن مع القتل. عندما يصبح القتل إلهامًا نكون بإزاء الحركة المستقلة لما ليس حيًا. أو انحطاط إلي أدني من مرتبة البهيمة. فإنْ كان الجيل الأول من “نساء الكارنتينا” حين كذب قد كذب علي نفسه أولاً، فالجيل الثاني لم يكذب لأن الشخص الذي سيكذب لم يعد موجودًا أصلاً: ترابط الفن والقتل. 
تحتاج “نساء الكارنتينا” إلي درس تحليلي استراتيجي ينتمي إلي حقول معرفية عدة في آنٍ معًا؛ لأنها إنذار عنيف بخطر قد يأتي مستقبلاً أشد عنفًا.
كَمْ هو شاسعٌ الفرق بين مستقبل تتوقعه عدميةٌ شكلية هادئة وبين مستقبل تتوقعه أناركيةٌ عشوائية عنيفة!! وفي كل الأحوال، “أدب الزَّوَال” لعبة بُرْهانِ خُلْفٍ بلاغية رفيعة يتحمَّل مسئوليتها جيل جديد من كُتَّاب الأدب المتميزين.
مبدأ المشكلة مرة أخري
“الرأسمال المتأخر” تشبّع إلي الغاية حتي صار يلعب لعبًا أهوج، لا يعرف توقيرًا أو احترامًا، كلا ولا معيّة أو تواضعًا. يعرف الانفراد والعزلة المقيتة اليائسة الغريبة عن روح البشر.
يقول مصطفي ناصف: الرغبة في سرعة التغيير شيء حديث جدًا يسمونه السيطرة أو السيادة. والسيطرة والسيادة لها حيل وألاعيب معترف بها بين جميع الأقوياء. الفن لعبة والاقتصاد لعبة والسياسة لعبة، واللعبةُ تطورٌ في مفهوم الدلالة. الثقافة الحديثة تربط المفكك، وتفكك المرتبط. في المجازية المعاصرة تَوَزُّعٌ وحيرة، ونقض المُبْرَمِ بقوة. صار المثل المرموق ألا تعرف مَن أنت وأن تضخم المفارقة والتناقض الظاهري وغير الظاهري. لدينا عزلة تتوفر عليها الاستعارة، لا نفكر في تجاوزها أو الإفادة منها. هذا زمن يتباهي بصعوبة الدليل وعتامة الرؤية.
مشكلةُ مصر الثقافية القائمة منذ طه حسين حتي مصطفي ناصف ونصر أبو زيد (رحمهما الله) وحسن حنفي وجابر عصفور ارتيابٌ وحنينٌ. لم يحلّها أحد أو عَرَّضَ بحلها أحد. انطبقت الجامعة المصرية مبانيها علي أسوارها فذرتها الرياح. وتلسع المصريين حاليًا ذراتُ غبار متطاير في الهواء من البقايا. 
عند هذه اللحظة العسيرة، يقف كُتَّاب “أدب الزَّوَال” منفردين يُلوِّحون بالحلول علي طريقة بُرْهان الخُلْف، ماضيًا كلٌّ منهم في سبيله، متحمّلين وحدهم- بلا عون من أحد- عبء الكشف عن تغيّر أبنية الإحساس في مجتمع محطَّم مهزول يوشك علي الانهيار.
________
*أخبار الأدب

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *