كتاب عن النرجسية وجنون العظمة لدى الزعماء العرب



*حواس محمود

عن “شركة المطبوعات للتوزيع والنشر”، بيروت، صدر كتاب بعنوان “مهووسون بالسلطة”، للكاتبة الأميركية موريال ميراك فايسباخ. يقع الكتاب في 142 صفحة من القطع الكبير. والكتاب يتحدث عن الثورات التي قامت ضد بعض الزعماء العرب الاستبداديين كحسني مبارك والقذافي وزين العابدين بن علي وعلي عبدالله صالح، والتي شكلت بؤرة تحول تاريخي عميق، وفتحت الآفاق رحبة على العديد من التحليلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية.

يندرج كتاب “مهووسون بالسلطة.. تحليل نفسي لزعماء استهدفتهم ثورات 2011“، للمؤلفة موريال ميراك فايسباخ، ضمن التحليلات النفسية لشخصية الزعماء المذكورين وهوسهم الشديد بالسلطة، ويقدم تساؤلا هاما هو: هل يوجد لدى هؤلاء الزعماء خلل في شخصياتهم بسبب صدمات الطفولة أو بتأثير من عائلاتهم ومحيطهم الاجتماعي؟ أم أنّهم أصحاء في الأساس لكن السلطة أفسدتهم جميعا؟ ولكي يتم فهم حالتهم السيكولوجية من الضروري إحالتهم إلى الطب النفسي لكي يكون تحليل شخصياتهم موسوما بالدقة والموضوعية.
جنون العظمة
تشير المؤلفة إلى وجود نرجسية وهيستيريا وجنون عظمة مفرط في شخصية الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، وإلى أنه مصاب بمرض عقلي خطير، كما أنه وقبل وقت طويل على اندلاع الانتفاضة الليبية التي بدأت في الأساس كعملية احتجاج سلمية حولها النظام إلى حرب أهلية، أدركت شخصيات سياسية بارزة في العالم السمات العصابية، ناهيك عن تلك الذهانية التي كانت ظاهرة في شخصيّة الزعيم الليبي.
دكتاتورية بن علي التي تفرزها أساليـب الدولة البوليسية، تعد المظهر النموذجي للزعيم النرجسي
وقد بدا القذافي لعبد الناصر، بطله وقدوته المثالية، أنه ” فتى لطيف ولكنّه ساذج إلى حدّ مذهل “. ويجمع القذافي، على غرار العديد من الدكتاتوريين الكثيرين غيره، بين سمات النرجسية وجنون العظمة المفرط، وفي هذه الحال تتطور، بحسب أدب التحليل النفسي ” النرجسية الخبيثة “، وتتميز بنمط التفكير في الأبيض والأسود ضمن فئات الصديق / العدو، فيعامل الأعداء بالحد الأقصى من الازدراء، حيث أنّهم يتعرضون إلى القمع الوحشي الذي يصل إلى درجة الإلغاء المادي، على يديه. أما عن طفولته، فلقد كان منذ نعومة أظفاره منطويا وصامتا وجديّا ولا يتكلم إلاّ إذا جوبه بسؤال ما، وهذا ما لاحظه عليه والده.
نرجسية مفرطة
أما حسني مبارك الذي لم يرث النرجسية من سلطته عبر عبدالناصر والسادات، وهو على عكس القذافي، لم ينشئ بنفسه دولة دكتاتورية، بل وباتفاق المؤرخين ورث شكل الدولة الذي أنشأه عبدالناصر (وهي دكتاتورية صنفت بوصفها ” التهديد الثلاثي ” أيّ أنها دكتاتورية تجمع بين ثلاثة عناصر من ثلاثة أنواع : الشخصانية – حيث تتركز السلطة في شخص واحد – والجيش وديكتاتورية الحزب الواحد، بالإضافة إلى المؤسسات الرائدة.
وقد استمرت بنية المؤسسات الأساسية رغم خضوعها إلى بعض التعديلات في ظل السادات فتولاها نائبه مبارك إلى جانب إرثه السياسي بعد موته عن طريق الاغتيال في 1981.
صاغ كل من عبد الناصر والسادات مفهوم عبادة الشخصية من حولهما لتمتّعهما بصفة “القائد الأعلى”، وبدا الأمر كما لو أن مبارك بانتقاله إلى موقع الرئاسة، فإنّه سيصبح بصفة آليّة “زعيما نرجسيا”، إلاّ أنه توجب عليه، برأي المحللين النفسيين، أن يمتلك التركيبة الشخصية ليتمكن من تقمص مثل هذا الدور .
وأما ما يتعلق بطفولة مبارك، فليست له صدمات طفولية موثقة، شأن صدمات معمر القذافي، سوى أنه عانى عقدة نقص حادة، نظرا إلى أنّ عائلته عاشت في حالة فقر مدقع.
دولة بوليسية
أما الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، فتشير المؤلفة إلى أنّ الأدب السريري ينطبق على علاقته بليلى الطرابلسي ( زوجته ) حيث يمثل الجمال والشهرة دورا مهمّا في اختيار الشّريك.
إن إحلال بن علي الدكتاتورية التي تفرزها أساليب الدولة البوليسية، يعدّ المظهر النموذجي للزعيم النرجسي كما ظهر في حالتي القذافي ومبارك، ولما تمّت مواجهته بالانتفاضة الشعبية في ديسمبر 2010 لم تستطع حتى زوجته ليلى حمايته من الغضب المبرر للشعب المكبوت والمنهوب منذ عقود، وعلى الرغم من أن بن علي لم يكن قط قائدا كاريزماتيا، بل بالعكس هو أكثر ميلا إلى الابتعاد عن الأضواء، فقد اضطر إلى مواجهة مواطنيه بخطاب 28 ديسمبر2010 .
محاباة العائلة
أما الرئيس اليمني علي عبدالله صالح في مشهديته المتمسكة بالسلطة يستحضر صور البعض من أعظم أعمال شكسبير بالنسبة إلى من يتحدر من خلفية ثقافية أوروبية: الملك لير في الأرض العراء، وقد جردته بناته المتآمرات من سلطته وحاشيته معا، وهو يتمسك يائسا بادعائه السلطة، أو ريتشارد الثالث في مواجهة أعدائه لوحده عمليا في ساحة الوغى، وقد خسر حتى حصانه و يطلب من أي أحد أن يزوده بواحد قائلا ” مملكتي في مقابل حصان“، والأصح هو المقارنة مع هاملت الذي أدى عجزه النفسي عن التصرف والفعل إلى سلسلة من المآسي.
فالرئيس اليمني هو أقرب ما يكون إلى هذه الأعمال الشكسبيرية، إذ أنه شاء أن يكون رئيسا لليمن مدى الحياة، وهنا يجب التفكير في أن سياساته وأسلوبه في الزعامة كرئيس قضى في السلطة ثلاثين عاما، هما اللذان أديا إلى التظاهرات التي بدأت في يناير 2011 للمطالبة بتنحيته، وتتشابه سيرة حياة صالح ومهنته، وإنشاؤه نظاما سياسيا على نحو لافت مع حالتي مبارك وبن علي.
ويقدم علي عبدالله صالح مثالا جيدا على كيفية إفساد السلطة للمرء، فعلى غرار بن علي وزوجته ليلى طرابلسي، اعتبر صالح أنّ الدولة هي بمثابة مؤسسة عائلية، وربما كان ذلك كردة فعل على العلاقات غير المنتظمة داخل عائلته، وأعطى معنى جيدا لعبارة محاباة الأقارب nepotism فالكلمة مشتقة من الكلمة الإيطالية nipote التي تعني ابن الشقيق أو الشقيقة، وتشير إلى منح الامتيازات إلى أفراد العائلة.
وظهر التعبير السريري الأكثر إثارة للاهتمام في بنية شخصية صالح في لعبة القط والفأر التي حاول أن يلعبها مع المعارضة والمجتمع الدولي، فيما كان يتعلق بالحل الديبلوماسي الممكن للأزمة، ولم ينتج الأمر من خلال مناورة سياسية مارسها صالح فحسب، بل شكل أيضا انعكاسا للانشقاق العميق الحاصل داخل ذهنه.
يكشف الكتاب وجود علاقة تلازمية بين النرجسية والسلطة لدى الزعماء العرب الذين ثارت شعوبهم على استبدادهم المقيم، وهي الدراسة الأولى في مجال التحليل النفسي لشخصيات هؤلاء الزعماء.
____
*العرب

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *