إسرائيل وحرية الرأي: يحق لي ما لا يحق لك


غصون الرحال *

( ثقافات )



بعد جولة طويلة في عدد من الدول ، تقف الممثلة الاسرائيلية نتالي كوهين فاكسبرغ – وهي ترتدي زي العاهرات – لأول مرّة أمام نصب الضحايا في متحف الهولوكوست في القدس متقمصة دور الهولوكوست نفسه لتذكّر بني اسرائيل بحقيقتهم صارخة بجرأة متناهية : 

” انا الهولوكوست ، أنا افضل ما حصل لكم ، شكرا لي ، لولاي لما كان لكم دولة ، لولاي لما كان لكم جيش ، اريد تصفيقكم ، اظن اني استحق تصفيقكم بعد كل هذه السنين ، فمن له الفضل في نجاحكم مثلي ؟ انا استحق التصفيق اكثر من اي شيء آخر ، اذ كيف كنتم ستبرّرون حرب 1948 بدوني ؟ كيف تبررّون حرب 1967 بدوني ؟ كيف كنتم ستحتجزون 3 مليون فلسطيني في أضخم مركز اعتقال ؟ لولاي لما كان لكم سلاح نووي مسكوت عنه، لولاي لما تعلمتم ايقاع العقوبات الجماعية . لا تنسوا انكم خرجتم من رحمي ورضعتم من ثديي … ولكن كلما كبرتم ضعفت ذاكرتكم ” … الى ان تتنتهي بانكار الهولوكوست والتبرّز عليه .


اسرائيل التي احتجت على ما ورد في مقال وزير الخارجية االسابق في الجوردن تايمز قبل ايام تحت عنوان “الكذبة الصهيونية الكبيرة والمهمة المقبلة”، والذي يحمل مضمونا مشابها لما ورد على لسان الممثلة الاسرائيلية من حيث ان اسرائيل تقوم على كذبة كبيرة تردّدت حتى باتت حقيقة ، مستندا على كتاب الزعيم الالماني هتلر ، وقامت باستدعاء السفير الاردني وليد عبيدات لتوجيه احتجاج شديد اللهجة من خلاله الى وزارة الخارجية الاردنية ، لم تتخذ اي إجراء لمنع الممثلة الاسرائيلية من الوقوف امام من تعتبرهم ” ضحية الضحايا the victim of all victims” في التاريخ البشري لتواجههم بحقيقتهم ، كما لم تلاحق الممثلة قضائيا بارتكاب فعل أسبغت عليه صفة الاجرام في بعض قوانين دول العالم ، كان اول ضحايا هذا التجريم الباحث الفرنسي ” روجيه غارودي ” لا بسبب تشكيكه بالمحرقة ككل ، كما فعلت الممثلة ننتالي كوهين ، ولكن بسبب تشكيكه فقط بعدد الضحايا المزعوم وهو 6 ملايين يهودي. 

ورغم ان العديد من التعليقات الواردة على عرض الممثلة الاسرائيلية نتالي في موقع “”You tube، ينعتها الخيانة ، ويبدي شعورا بالاشمئزاز من لباسها وكلماتها الاباحية المباشرة ، الا ان بعض الاصوات بدأت بالتمرد على ” ألوهية ” الأكاذيب الصهيونية بشأن المحرقة معلنة ان ” منظومة ” المحرقة ما هي الا ممارسات سياسية واقتصادية دأبت الحركات الصهيونية على حشو عقول الناس بها لسنوات طويلة حتى صدّقوها ،كما كانت هناك اشارة من البعض الى ضرورة الاعترف بالذنب للشعب الفلسطيني والاعتذار له وتعويضه عن سنوات الاضهاد والظلم . 

مثل هذه الاصوات ما كانت لتتجرأ على تحدي “تابو ” الهولوكوست في السابق . ولست ادري ، إن كان بالامكان ان نعزو هذه الفسحة من الحرية الى الفضاء الالكتروني الذي يشكل غطاء من الحماية على هوية مستخدميه ، او الى وعي جديد بدأ يغزو الجيل الجديد من اليهود الاسرائيليين والذي لا تملك معه اسرائيل الا التغاضي والتساهل استنادا الى مبدأ حرية التعبير التي تكفلها لمواطنيها ؟ 

على حرية التعبير هذه المكفولة لابناء جلدتها تتحول رصاصات قاتلة ، مصوّبة الى رأس من يمارس حرية التعبير من ” الغوييم ” او الاغيار في تأكيد مثير للغثيان لسياسة اسرائيل العنصرية التي تحتقر الآخر وتمجّد ذاتها . 


* روائية من الأردن تعيش في بريطانيا

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *