معرض أبوظبي للكتاب.. فرصة للمثاقفة


* يحيى القيسي

كان من حسن حظي أن تابعت فعاليات معرض أبوظبي الدولي للكتاب منذ ما يزيد على العشر سنوات حينما دعيت مندوباً عن القدس العربي اللندنية لتغطية فعاليات دورة العام 2002 كما أذكر مع مجموعة من الصحفيين العرب المتخصصين بالجانب الثقافي، وكانت بالنسبة لي تجربة لا تنسى، لم تتكرر إلا في العام 2010 حينما جاء بي قدري للعمل في أبوظبي، إذ حرصت على متابعة المعرض وفعالياته المتميزة، ثم انتهت فترة كوني متجولاً حراً في المعرض لأصبح من العارضين مسؤولا عن جناح هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام التي أتشرف بالعمل فيها مديرا للشؤون الثقافية، والتي شهد العام 2013 المشاركة الأولى لها في هذا المعرض الدولي المتميز ذي السمعة الرزينة والعمق الثقافي . 

وكما يقال “ليس الوصف كالعيان” إذ أن متابعة هذا المعرض عن قرب يتيح للمرء أن يتجول في كنوز لا تقدر بثمن من المعارف والتنوع الثقافي، والتي تعرض بشكل شائق للزائر حتى لا يرغب بالمغادرة إلا وقد مر على معظم الأركان والأجنحة الدولية منها والمحلية، فالمعرض يقام في مكان رحب وحداثي، يعد من أكبر قاعات العروض العالمية وأكثرها تطوراً، وهو “مركز أبوظبي الدولي للمعارض” لا بل يمكن لهذا المكان أن يتسع لمعارض عدة مختلفة الأطر والتوجهات في الوقت نفسه، وهذا ما حصل في الدورة الماضية، وبالتالي يعدّ القدوم إلى مكان المعرض المحاط أيضاً بنخبة من الفنادق المتميزة، والمتوسط أيضاً في موقعه من العاصمة الإماراتية نزهة جميلة بقدر ما هي رحلة معرفية مفيدة .
ولعل ما يثلج الصدر في هذا المعرض الدولي لصناعة الكتاب وتسويقه هو البرنامج الثقافي الحافل والموزع على أماكن للمحاضرات في معظم القاعات، حيث يتميز سنوياً باستضافة أبرز الكتاب العرب والأجانب في نقاشات مفتوحة سواء حول كتب هؤلاء الضيوف وإصداراتهم الجديدة أو لمناقشة موضوع معين، وهناك أيضاً مجالس ثقافية كثيرة تقام على مستوى ضيق غير مفتوح بعضها بالدعوات أو خاص بالنساء، فضلاً عن اللقاءات المباشرة بين الممرات للكتاب والقراء في حوارات بهيجة . 
كما أنه من الجميل أن بعض الجوائز الكبرى توزع في وقت المعرض أو قبله بأيام مثل جائزة البوكر العالمية للرواية العربية، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، وهذا الأمر يتيح المجال لالتقاء أبرز كتاب الرواية العرب الفائزين من الدورة الحالية وأيضاً الدورات السابقة، إضافة إلى عدد كبير من النقاد والباحثين الفائزين في جائزة الشيخ زايد للكتاب التي تعد من أبرز الجوائز الثقافية العربية في الوقت الحاضر .
وقد شهدت بنفسي في الدورة الماضية للعام 2013 العدد الهائل من الجماهير الغفيرة التي تؤم المعرض وتزدحم به الممرات وأجنحة الناشرين، وليس فقط من أجل المشاهدة بل وللشراء أيضاً، وحسناً فعلت المدارس بإحضار طلبتها، وكذلك فعلت المؤسسات والجامعات، وحتى الكليات العسكرية إضافة بالطبع إلى أن الكثير من الجهات التي تحوي مكتبات عامة أو خاصة تجد في المعرض فرصة للشراء والتزود بأحدث الإصدارات .
بقيت الإشارة إلى مسألة مهمة في المعرض، وهي عدم تضارب الأنشطة معا أي يفضل ألا تكون هناك أمسيات أو ندوات في جناح معين، وندوات أخرى في الوقت نفسه إذ أن هذا الأمر يشتت المتابعين خصوصاً إذا كانت تلك الندوات لأسماء متميزة يرغب المرء في متابعتها، فضلاً عن وجود ورشات متخصصة أيضا في الفترة الصباحية على هامش المعرض، وهي أيضاً مهمة وتحتاج إلى من يتابعها ويستفيد منها حتى لا نفقد الجمهور المتلقي والتغطية الإعلامية الكافية أيضاً .
وأخيراً أشير إلى دور وسائل الإعلام المحلية والعربية وضرورة التواجد في هذا العرس الثقافي العربي لنقله إلى كل المهتمين، وترغيب القراءة ومحبة الكتاب للشعب العربي من المحيط إلى الخليج الذي يعاني عزوفاً واضحاً عن الانشغالات الثقافية والنظرة إليها بطريقة دونية، وهي مهمة ليست باليسيرة، لكن معرضاً عالمياً مثل “أبوظبي للكتاب” يستطيع أن يقدم الكثير في هذا المجال .
_______
** روائي وإعلامي من الأردن يعمل في الإمارات. 
مؤسس ورئيس تحرير ثقافات / الخليج الثقافي

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *