آنز. ب. دوبي تدرس الأدب والنظريات الجمالية



*مفيد نجم

شهد النصف الثاني من ستينات القرن الماضي وما بعدها فورة نقدية واسعة وكبيرة، تجلت في ظهور الكثير من المناهج النقدية وتفرعاتها، حتى أصبح من الصعب على الدارس والمهتم متابعة جميع تلك المناهج والإحاطة بتلك النظريات، التي تنوعت في رؤاها النقدية، وفي وظائفها واستراتيجيات عملها حتى يمكن الحديث عن حالة من التشظي شهدتها تلك النظريات من خلال ما تولد عنها من تيارات نقدية مختلفة. كتاب النظرية في الممارسة : مدخل إلى النقد الأدبي للأكاديمية الأميركية آنز. ب. دوبي والذي ترجمه مجدي كبه وصدر عن مشروع كلمة في أبو ظبي يشكل مدخلا للتعريف بأهم تلك المناهج التي شهدتها الحياة النقدية في القرن الماضي بدءا من الشكلانية والنقد النفسي والنقد الماركسي ومرورا بالنقد النسوي والتفكيكية ونقد استجابة القارئ والتاريخانية الجديدة والدراسات الثقافية. ورغم أهمية هذا العدد الوافر من المناهج النقدية التي تعرِّف بها الدارسة، فإن أهمية الكتاب تكمن في طابعه التعليمي بالنسبة إلى المبتدئين في حقل الدراسات النقدية، لا سيما من الطلبة الجامعيين المتخصصين، فهو يقدم شرحا للخطوات التي يجب أن يتبعها الدارس في تناول النص الأدبي في كل منهج نقدي، ومن ثمة تقدم نماذج تطبيقية عدة من النقد الأدبي قام بها مجموعة من الطلبة على نصوص أدبية، حيث يتمكن القارئ أو الراغب في ممارسة النقد، معرفة الكيفية التي يتم بها تطبيق الأدوات النظرية للمنهج النقدي على النص الأدبي.

القراءة والكتابة
تتناول دوبي أولا مسألة العلاقة بين القراءة والكتابة، معتبرة أن الفصل بينهما غير ممكن، طالما يبدوان كأنهما وجهان لعملة واحدة، بل ينظر إليهما وكأنهما كلمة واحدة. وتدلل على ذلك بالنصيحة التي يقدمها الكتاب عادة للمبتدئين بضرورة القراءة والقراءة لأن تراكم هذه القراءات يمنح القارئ إدراكا أكبر ورؤية أوسع عند الكتابة، وهو ما يتطور أكثر مع الإكثار من الكتابة باعتبارها تمرينا يسهم في تطوير لغة الكاتب وخبرته الأدبية. أما على الصعيد النقدي الذي تتم فيه معالجة النص فإن ممارسة النقد الأدبي عندها هي أكثر من مجرد جهد واحد أو مهارة واحدة. وتقترح مجموعة من التقنيات كنقاط بداية لربط القراءة بالكتابة بصورة يمكن معها اكتشاف ما يجب على الناقد أن يسهم به، وهذه النقاط تشتمل على تدوين ملاحظات على الهامش والاحتفاظ بسجل للقراءة، واستخدام استراتيجيات ما استعدادا للكتاب. في هذا السياق تؤكد أن ما ستقدمه في الفصول التالية من مناهج ودراسات نقدية يتكامل فيما بينه، وعلى الناقد المتدرب أن يتخذ من تلك الاستراتيجيات أساسا لقراءة نقدية أكثر عمقا وشمولا. ومع أنها تجد تفاوتا من حيث التركيز على خطوات دون أخرى عند البعض، إلا أنها تجد في إدخال تلك الاستراتيجيات المساعدة في عمليتي القراءة والكتابة الخاصة بكل ناقد خطوة حاسمة في تلك العملية.
طرق تقليدية
قبل أن تقوم بعرض المناهج النقدية وطرقها المختلفة في دراسة النص الأدبي تشير إلى أن بعض هذه المناهج قد يبدو مألوفا، في حين أن بعضها الآخر يبدو أكثر غرابة وتعقيدا. وتصنف النقد الاجتماعي الذي يشمل السيرة والتاريخ تحت مسمى الأدوات النقدية التقليدية، وهنا تستعين بما يقدمه رينه ويليك وأوستن وارين في كتابهما “نظرية الأدب” من تحديد لمجالات النقد الاجتماعي الثلاث، التي تتمثل في موروث المؤلف وبيئته لكي يستطيع الناقد تفسير المواقف والآراء الاجتماعية التي تظهر في العمل الأدبي. لكنها تعود لتؤكد تراجع هذا المنهج النقدي في صيغته التقليدية لا سيما مع ظهور النقاد الجدد والنفور من الحكم على قيمة العمل من خلال ارتباطه بالجانب الاجتماعي دون الاهتمام بقيمته الجمالية. وتعرض لمنهج تقليدي آخر هو منهج دراسة النوع الأدبي الذي يعد من أقدم أنواع النقد الأدبي، والذي يقوم على قاعدة تصنيف أرسطو للأشكال الأدبية في كتابه فن الشعر. إن هذه الدراسات رغم تنوع أشكالها إلا أنها تظل تشترك في العديد من الجوانب الأساسية في مقدمتها السعي لتحديد نوع الجنس الأدبي. ومن الطرائق التقليدية للكتابة عن الأدب تذكر التفسير والتحليل والتشابه والتباين من خلال دراسة أعمال كاتب واحد. ما تضيفه الكاتبة في كل فصل هو شرح لأهم المصطلحات النقدية المستخدمة في كل منهج.
النقد الشكلاني
في دراسة أخرى تتناول دوبي النقد الشكلاني بتياراته المختلفة، حيث تستعيد التسميات المختلفة التي أطلقت عليه كالنقد الجديد والنموذج الجمالي أو النصي أو الوجودي وتعيده إلى بداياته الأميركية والإنكليزية قبل أن تظهر الشكلانية الروسية التي تشترك معه في العديد من العناصر والصفات، كما تعيد شعبية هذا التيار النقدي إلى كونه يوفر سبيلا لفهم العمل الأدبي والتمتع بقيمه الجمالية باعتباره عملا متكاملا. وترى أن هذا النقد ظهر كردة فعل على النقد الاجتماعي حيث عمل على تطوير الحس بأهمية الشكل باعتبار النص كيانا مكتفيا بذاته ويحمل عناصر شكلانية . أما الشكلانية الروسية التي ازدهرت في عشرينات القرن الماضي فهي رغم تشابهها إلى حد ما مع مبادئ النقد الجديد إلا أنها تختلف عنه بسبب اعتمادها على نظريات فيرديناد دو سوسير في اللغة ما جعلها أكثر ارتباطا بالبنيويين. وفي تقديمها للنقد النفسي تكشف للقارئ عن الخلفية التاريخية لهذا المنهج الذي دشنه فرويد ويقوم على دراسة علاقة اللاوعي بالأحلام التي يعتبرها لغة اللاوعي المليئة بالرغبات غير المشبعة، التي تولى العقل الواعي دفنها فيها. كما تعرض للاتجاهات الأخرى عند كارل يونغ صاحب نظرية اللاوعي الجمعي مقابل نظرية اللاوعي الفردي عند فرويد وعلاقة هذا النقد بدراسة الأساطير.
الماركسية والنسوية
في هذا الفصل تستهله الباحثة بتقديم لمحة تاريخية عن الماركسية تنتقل منها إلى التعريف بالقراءة من منظور ماركسي وعلاقة الفن والأدب بالإيديولوجيا بعد أن تقدم تعريفا بمفهوم الإيديولوجيا ماركسيا. ويلاحظ هنا انتقال دوبي المباشر إلى تطبيقات النقد الماركسي دون أن تتحدث عن أهم أعلامه واتجاهاتهم التي ظهرت والتباينات التي ظهرت فيما بينها. وعندما تتحدث عن النقد النسوي تعترف بصعوبة تعريف هذا النقد نظرا لأن جميع رموزه لم تندرج في إطار منظور نقدي واحد بسبب تعدد أشكاله واتجاهاته التي تتباين من بلد إلى آخر. لكن جميع الناقدات يتفقن على السمة الأبوية المميزة للثقافة الغربية. وكالعادة تتناول تاريخ هذه الحركة البعيد والقريب وأهم رموزها والمراحل التاريخية التي مرت بها هذه الحركة، التي ساهم تطورها في زيادة الاهتمام بدراسة الجنوسة. ولا تنسى في هذا السياق أن تتحدث عن الاتجاهات النظرية الثلاثة التي ميزت هذه الحركة في كل من فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا من خلال الكشف عن المرجعيات الفكرية والنظرية التي اعتمدتها كل واحدة من هذه التيارات النقدية الثلاث، إضافة إلى الحديث عن تيارت النقد النسوي التي تشمل نسويات الأقليات والشواذ والسود. ومن المناهج الأخرى التي تتناولها نقد استجابة الكاتب الذي يضع القارئ في صلب اهتمامه بوصفه منتجا آخر للعمل الأدبي. وكذلك النقد التفكيكي الذي تركز فيه على مفهوم اللغة وعلاقة التفكيك بالبنيوية التي خرجت على أطروحاتها مركزة على فهمها الخاص لطبيعة الدوال وأهمية الاختلاف والتضاد الثنائي ودور اللغة في اكتساب التجربة، إلى جانب ثنائية الكلام – الكتابة. وفي نهاية الكتاب تقدم دوبي مختارات أدبية هامة مع دراسات مختلفة تتناولها كشواهد تطبيقية على ما قدمته من نظريات نقدية مختلفة في هذا الكتاب.
________
*العرب

شاهد أيضاً

العتبات والفكر الهندسي في رواية “المهندس” للأردني سامر المجالي

(ثقافات) العتبات والفكر الهندسي في رواية «المهندس» للأردني سامر المجالي موسى أبو رياش   المتعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *