حوار مع الروائي النيجيري تشينوا أتشيبي (2)


*ترجمة/ لطفية الدليمي

شينوا أتشيبي الروائي النيجيري الذي يوصف في العادة بأنه ” عميد الكتاب الأفارقة ” و ” أب الأدب الأفريقي الحديث ” ولد بشرق نيجيريا عام 1930 وتتلمذ في المدارس الحكومية و كان من الخريجين الأوائل من جامعة ( أيبادان ) المرموقة في نيجيريا و عمل بعد تخرجه في هيئة الإذاعة النيجيرية كمنتج إذاعي ومخرج للبرامج الموجهة إلى الخارج و بدأ مهنة الكتابة في هذه الحقبة من حياته . ألف أتشيبي أو ساهم في تأليف أو تحرير نحو سبعة عشر كتابا تضم خمس روايات ، نذكر منها : ( الأشياء تتداعى Things Fall Apart ) 1958 ، ( سهم الله Arrow of God ) 1960 ، ( لا راحة بعد اليوم No Longer At Ease) 1960وقد ترجمها البعض (مضى عهد الراحة )، (رجل الشعب A Man of the People ) 1966 كما عمل محررا لسلسلة ( هاينمان) المرموقة الخاصة بالأدب الأفريقي و حصل على ما يقارب الـ 25 درجة دكتوراه فخرية من جامعات مرموقة في جميع أنحاء العالم.

× مقالتك الأحدث عن الرواية الكولونيالية تتناول فيها رواية كونراد ( قلب الظلام ) . هل تظن أن صورة أفريقيا قد تبدلت في العقلية الغربية منذ نشرت مقالتك تلك ؟
• أظن أنها تغيرت قليلا و لكن ليس كثيرا و بخاصة في أساسيات الصورة ، وعندما أفكر في موقف و أهمية و سعة معارف كل هؤلاء الذين لا يرون أي ملمح من العنصرية في رواية ( قلب الظلام ) أزداد قناعة فوق قناعة بأننا نعيش في عالمين مختلفين بالكامل . قد يظن البعض أنني أقول : لا تقرأوا كونراد !! و هذا ليس صحيحا أبدا ،فأنا اليوم أدرّس برنامجا دراسيا عن كونراد و روايته ( قلب الظلام ) و كل ما أقوله هو : انظروا كيف يتناول هذا الرجل الأفارقة في روايته تلك ثم قولوا لي هل تجدون أية ملامح إنسانية فيها ؟ قد يقول قائل ان كونراد كان دوما معارضا للإمبريالية ، و لكن هل ثمة من معنى و هو المعارض المفترض للإمبريالية ان يصف الأفارقة بأنهم ” كلاب تقف على قوائمها الخلفية !! ” ؟
× هل قمت يوما بتدريس مادة الكتابة الإبداعية ؟
• لا
× و لم لا ؟
• لأنني لا أعرف كيفية القيام بهذا العمل و أنا أعني كلامي . انا حقا لا اعرف . كل ما أقوله هو ان هذه المفردة ” الكتابة الإبداعية ” توفر عملا للكتاب . لا تضحك لملاحظتي هذه فهي شديدة الأهمية ،لأن كثيرا من الكتاب يحتاجون عملا آخر يعتاشون منه في هذه الأوقات العصيبة و غير المستقرة اقتصاديا . لا اعلم كيف يمكن للمناهج في مادة الكتابة الإبداعية ان تكون مفيدة للطالب ولا أقصد بهذا انها عديمة الفائدة و لكن أقصد بالتحديد انني لم اكن ارغب يوما ان أرى أحدا يعلمني كيف اكتب ، فتلك ذائقتي الخاصة بي حصريا .
× إلى أي مدى يمكن للكتاب كما ترى ان يزجوا انفسهم في خضم الموضوعات العامة ؟
• لست أريد هنا أن اضع قانونا عاما ملزما للجميع ،و لكنني اعتقد ان الكتاب هم في ذات الوقت مواطنون و هم في اغلب الأحوال بالغون و مدركون لتفاصيل الأمور . كان موقفي على الدوام ان الفن الجيد و الجاد وجد دوما لأجل خدمة الإنسانية وليس لإدانتها و لا اعرف كيف يمكن للفن ان يدعى ” فنا ” اذا ما تسبب في إحباط الإنسانية و قهرها .
× هل يمكن ان تحكي لنا شيئا عن بداية تشكل العمل الأدبي ؟ ما الذي يأتي أولا : فكرة عامة أم موقف ما ، أم حبكة ، ام شخصية ما ؟
• يختلف الحال مع كل عمل . يمكنني على العموم القول :إن الفكرة العامة تأتي أولا ثم تتبعها الشخصيات الرئيسية ، فنحن كما ترى نعيش في طوفان من الأفكار العامة ، و متى ما ارتبطت فكرة محددة بشخصية ما يمكننا القول ان ثمة رواية ما في الطريق . اظن ان الفكرة العامة تلعب الدور الأقوى في المرحلة الأولية من كتابة الرواية و لكن متى ما تجاوز الكاتب المرحلة التمهيدية فلن يكون ثمة فرق بين الفكرة العامة و الشخصية، فكل منهما ينبغي ان يؤدي وظيفته .
× و ما مكانة الحبكة في كل هذا ؟ هل ترى ان الحبكة تنمو مع الشخصيات أم تنبثق من فكرة ما ؟
• متى ما شعرت بأن الرواية تمضي في سبيلها و انها قابلة للنمو فليس علي ان اقلق حينها حول الحبكة و ثيمات الرواية لأنهما سيأتيان بطريقة تلقائية تقريبا ،فالشخصيات هي التي تدفع الرواية قدما الى الامام . 
× هل تجد الكتابة سهلة بالنسبة لك ، أم انك تجدها عملا شاقا؟
• الجواب النزيه انها شاقة و لكن مفردة ” شاقة ” لا تعبر تماما عما اريد قوله . الكتابة مثل نزال مصارعة : فأنت تتصارع مع أفكار و قصة و ثمة الكثير من الحاجة للطاقة للمضي في العمل ، و لكنها في ذات الوقت عملية صيرورة مثيرة و كونها مثيرة هو بالذات ما يجعلها سهلة !! لذا فهي شاقة و سهلة معا و عليك أن تتقبل فكرة ان حياتك لن تمضي كما كانت من قبل و انت تمارس الكتابة . قلت مرة ان الكتابة هي بمثابة تلقي عقوبة بالسجن لفترة محددة !!.
× هل ثمة من مكان محدد أو وقت محدد ترغب الكتابة فيه ؟
• وجدت دوما انني أكتب بأحسن ما يمكن عندما أكون في منزلي في نيجيريا ، ولكن على المرء ان يتعلم الكتابة في أماكن أخرى و أكون في اقصى السعادة عندما يكون ما يحيطني يمت بصلة لما اكتب ، أما في ما يخص الوقت فلا اكترث له كثيرا و لست من ذلك النوع الذي يعمل منذ الصباح الباكر و لست ارغب في النهوض المبكر من الفراش و المباشرة في الكتابة عند الخامسة فجرا ، بل اكتب متى ما بدأ يومي الفعلي و فرغت تماما من مشاغلي اليومية ويمكنني ان اعمل حتى ساعات متأخرة في الليل و لا اطيق فكرة ان اعد الكلمات التي اكتبها في اليوم و لا أرى الانضباط في العمل هو في أن تعد كلماتك المكتوبة كل يوم !! . أرى العمل الأفضل في الكتابة هو في ان تعمل باجتهاد بلا ان تقيد نفسك بجدول عمل يومي صارم و متصلب .
× بأية أداة تكتب : قلم عادي ، أم بالآلة الكاتبة أم ترى أنك وقعت في غواية الكومبيوتر ؟
• لا ،لا، لا ، أنا بدائي جدا في مسألة وسيلة الكتابة و اكتب بالقلم العادي دوما . القلم و الورقة هما الوسيلة المثلى لي للكتابة و لا ارتاح كثيرا للآلات و لم اتعلم كيفية الكتابة على الآلة الكاتبة جيدا حتى اليوم .
× ككاتب أفريقي هل تجد ثمة تعارضا بين جماليات العمل الأدبي و كون المرء منخرطا في انشغالات سياسية ؟
• لا أرى مثل هذا التعارض بالنسبة لحالتي و لطالما قلت انه كان واضحا لي على الدوام ان اية قصة ذات شأن ستعلمنا شيئا ذا قيمة لنا ،و لكن في ذات الوقت اعلم تماما اننا عندما نقول اننا ينبغي ان نكون أخيارا و طيبين مع الناس فتلك رسالة في غاية الأهمية رغم انها لا تنتمي الى عالم الرواية : أقصد ان الرواية ليست محض رسائل طيبة ننقلها للآخرين و لكن أيضا ما يهم فيها هو كيف تنقل هذه الرسائل لهم : أعني ترتيب الكلمات و طبيعة اللغة المستخدمة . من المهم للغاية إيجاد توازن بين طبيعة التزاماتنا في أي ميدان كانت ( سياسية أم اقتصادية ام أخلاقية ام في أي ميدان آخر ) ، و بين طبيعة حرفتنا كفنانين .
× هل يوجد فرق ما بين رواية قصة و كتابتها ؟
• نعم يجب ان يكون ثمة فرق . هل تذكر عندما كان أطفالنا صغارا و كيف اعتدنا ان نقرأ لهم قصصا قبل النوم ، كان هناك على الدوام أوقات أقول لهم فيها سأحكي لكم حكاية و عندها كانت عيونهم تلتمع بطريقة تختلف عن مثيلتها عندما كانوا يسمعون القصص مقروءة من كتاب ما ،و ليس من شك تماما انهم كانوا يفضلون القصة المحكية على القصة المقروءة . نعيش اليوم في مجتمع يعيش مرحلة انتقالية من ” الشفاهي ” إلى ” المكتوب ” و لو ان بعضا من القصص الشفاهية ما زالت تكافح للبقاء و لكنها لم تعد تملك ذات تأثيرها السابق على رغم قوتها الطاغية في الاختلاف عن القصص المكتوبة ، و كل نمط له أساليبه الخاصة به و طرقه التعبيرية ، و هنا أقول يمكن ان ننقل للقصة المكتوبة بعضا من طاقة القصة التي تروى بالفم ، و أرى ان هذا هو حقا واحد من اهم الاسهامات التي قدمها أدبنا للأدب العالمي .
× هل تقصد بـ ( أدبنا ) الواردة في إجابتك السابقة الأدب النيجيري ؟
• نعم ، نعم ، منح أدبنا النيجيري الأدب العالمي بعضا من الطاقة المخبوءة والمهجورة الكامنة في قصص أساطير الخلق المتوارثة .
× هل تفتقد نيجيريا ؟
• نعم كثيرا ما أفعل . واحد من الأسباب التي تجعلني أشعر بغضب شديد تجاه ما يحصل في نيجيريا هو ان كل شيء جميل و منظم فيها قد انهار تماما !! , تصور لو أنني قررت العودة الى نيجيريا اليوم فمن اين لي ان احصل على العلاج الفيزيائي اللازم لي ،و هل سأجد طبيبا مناسبا لي هناك و انا اعلم ان الأطباء يغادرون زرافات الى الولايات المتحدة الامريكية و المملكة العربية السعودية ، كما ان الكليات قد أغلقت معظم اقسامها و نادرا ما نراها في حالة نشاط و عمل منتج و معظم الجامعات أغلقت لسبب ما ،لذا تراني أفتقد نيجيريا كثيرا و لم يكن مقدرا لها للأسف ان تكون بهذه الحالة المزرية و المخجلة .
× أية نصيحة تراها ضرورية لمن يرى في نفسه موهبة أدبية قابلة للتطور ؟
• أقول له : فكر فقط في المهمة التي وجدت نفسك فيها و ابذل فيها أقصى ما يمكنك من جهد و متى ما بذلت فيها غاية جهدك و أحسنه اعرضها على الملأ ليراها الناس.
________
*المدى

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *