الأمنية العظمى


* صلاح ابو هنّود

( ثقافات )

في صغره قال له جده التقي الورع : إن حدث وصار في حياتك شيء تتمنى كثيرا أن يتحقق ، فاكتبه على ورقة صغيرة ولُفَّه بقطعةِ قماش مطهّرة وعلقه في مكان مقدس ، شجرة كانت أو من مقامات الأولياء٠
في هذه الأيام يشعر باقتراب الأجل ويرغب كثيرا أن تتحقق أمنيته قبل دُنوّه أكثر، قام بكتابة أمنيته وطهَّر القماش وأحكم خيط القنّب حولها ولكنه حائر أين يعلقها ، هل يذهب إلى بادية الأردن الشرقية ، فقد رأى هناك شجرة قالوا إن الرسول استظل بها في رحلتة من مكة إلى الشام ، ولكنَّه تراجع لأن خط النفط الذي انشأه الانجليز لنقل البترول من العراق إلى حيفا يمر بقربها ، والآن يعتقد أن النفط يُفقد الأشياء طهارتها، فلا بد من خيار آخر ، قفز إلى ذهنه أن العراق هو الأقرب للشجرة ، فلماذا لا يذهب إلى العتبات المقدسة ويعلقها على مرقد أحب خلق الله إلى الرسول ، لكن فكرة أن الاحتلال بكل أنواعه قد دنَّس أرض العراق أكثر من النفط ، قهرته كثيرا . 
وضع الخيار جانبا وفكر في فلسطين وقبر عماد الدين زنكي الذي قرأ له الفاتحة كثيرا في صغره وهو يعبر الطريق من قريته صاعدا جبل عيبال وهبوطا إلى مدرسته في نابلس ، ابتسم للفكرة وتذكر صلاح الدين أيضا لكن ما جعله يعدل عنها، فكرة عبور جسر الكرامة على نهر الأردن إلى نابلس المحتلة وأن علم الاحتلال الإسرائيلي سيرفرف فوق رأسه وهذا هو أشد القهر ، عدا ان الله سيغضب منه ويجعل أمنيته معكوسة، بدأ يحس بخدر النعاس ، قاوم ذلك حين تذكر جبل السيدة مريم العذراء في منطقة الكفرون بمحافظة حمص الشام وهذه المنطقة لها ذكريات عزيزة على نفسه. 
سخر من نفسه لمجرد التفكير بذلك ، كيف سيعبر إلى هناك وكل المدن والقرى والطرق ميادين قتل هناك ، فكيف يخاطر بأمنيته في مثل هذا الوضع، تغشّاه النعاس تماما فقرر أن ينام فلعلَّه يجد حلا مناسبا في الغد. 
في الغد كانت يده متيبسة على اللفافة ولم يستطع مُغسِّل الموتى إخراجها من يده. 

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *