لننس الترجمة


*فاضل السلطاني
يبدو أن الكتاب العربي ما يزال غير جذاب في الغرب. وما نقرأه هنا وهناك بأن هذا الكتاب أو ذاك قد ترجم إلى الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية، وغيرها من لغات العالم، لا يعني في الحقيقة شيئا، وإنما وهم نسوقه لإيهام أنفسنا إننا أصبحنا كتابا «عالميين». فأغلب هذه الترجمات، التي إما أن تكون مدفوعة الأجر، وإما أن تكون قد صدرت عن دور نشر صغيرة جدا، لا تستطيع حتى أن تسوق كتبها الموضوعة إلا في حالات نادرة جدا.
ما نسبة قراءة كتبنا المترجمة؟ تكاد تكون صفرا في أسواق ضخمة كالسوق البريطاني على سبيل المثال، الذي يستهلك مئات العناوين كل يوم، سواء أكانت موضوعة أو مترجمة من لغات أخرى.

لقد كان من أهداف جائزة بوكر العربية، التي أصدرت قائمتها الصغيرة قبل أيام، أن تترجم «بشكل تلقائي» الروايات التي دخلت القائمة الصغيرة، والرواية الفائزة إلى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والإسبانية، على أن تتوسّع لتشمل لغات وبلدانا أخرى، سعيا إلى «نشر الثقافة العربية».

للأسف، لم يحصل ذلك «بشكل تلقائي»، ولم تترجم إلا روايات قليلة من الروايات الاثنتين والأربعين – ست روايات في كل قائمة – التي دخلت القائمة القصيرة منذ تأسيس الجائزة عام 2007. وإذا افترضنا جدلا أن ما تقوله المؤسسة على لسان رئيسها د. ياسر سليمان، من أن ثلاثين رواية قد ترجمت إلى اللغة الإنجليزية، فإننا للأسف لا نعثر على هذه الترجمات في المكتبات البريطانية، ولم نقرأ شيئا عن متابعات أو عروض لها، أو حتى أخبارا.

لا يكفي، في هذا السوق الهائل، أن تطبع كتابا لك حتى يرمى في زاوية ما. الأمر يحتاج إلى ترويج، وإعلانات، وحفلات توقيع، وتوزيع مسبق على الكتاب والنقاد والصحف والصفحات الثقافية..إلخ. بكلمة أخرى إلى مؤسسات فاعلة تمتهن حرفة النشر بكل أبعادها، بالإضافة بالطبع إلى القيمة الأدبية للكتاب المترجم.

وغير مؤسسة بوكر، التي تدعمها ماليا دولة عربية، هناك مؤسسة خاصة هي «سيف غباش – بانيبال للترجمة»، التي منحت جائزتها السنوية في الأسبوع الماضي للمترجم البريطاني جوناثان رايت عن ترجمته لرواية «عزازيل» للكاتب المصري يوسف زيدان، الفائز بجائزة بوكر العربية عام 2009، والمترجم الأميركي وليام هتشينز عن ترجمته لرواية «بلاد بلا أسماء» للكاتب اليمني وجدي الأهدل. والحقيقة، أن الجهد الذي تبذله مؤسسة بانيبال، التي تصدر، كما هو معروف، مجلة للأدب العربي بالإنجليزية، التي تقف خلفها سيدة بريطانية، هي مارغريت أوبانك، يفوق جهد كل المراكز العربية في العاصمة البريطانية. وهناك أيضا مؤسسة رسمية أخرى حديثة العهد هي «بلومزبري – قطر»، التي ترجمت قسما من الروايات العربية للإنجليزية.

ومع ذلك، لم يحدث ذلك الاختراق للسوق البريطاني، ولم يتحقق حضور يذكر للكتاب العربي. أسبب ذلك قلة الكتب العربية المترجمة إلى الإنجليزية، التي لا تتجاوز معدل كتابين كل سنة، كما ذكر الشاعر البريطاني ستيفن واتس في الندوة نفسها، المشار إليها سابقا؟ لا نعتقد ذلك، كما لا نعتقد أن اختلاف الثقافات، أو النظرة الفوقية لنا. كما يرى البعض، يشكل سببا وراء عدم انتشار الكتاب العربي في الغرب عموما، فقد حقق أدب يشبهنا هو أدب أميركا للاتينية اختراقا عالميا منذ ستينات وسبعينات القرن الماضي.

أين تكمن المشكلة إذن؟ أعتقد أنها تكمن فينا. وعلينا أن ننسى الترجمة وهمومها، ونحقق اختراقا في أدبنا نحن. وبعدها، سيترجم كل العالم لنا.
_______
* الشرق الأوسط 

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *