رجل وامرأة



جريس سماوي *

( ثقافات )



في علاقة الرجل بالمرأة لعبة أيقاع وتناغم موسيقي. تماما كما يحدث في رقصة التانغو. وكأي ذكر وكأي أنثى يسعى الطرفان كل الى الآخر بلغة غير منطوقة تقوم على الأيماء والترغيب والسعي لنيل رضى الآخر، من أجل أن يتوحد الأيقاع ويشترك الطرفان في صياغة موسيقى خاصة بهما تعبر عن خلجات الأنفس والضمائر وتوحد الخطوة والحركة ونظرة العين وانفراجة الشفتين.

ما الذي يجعل هذه اللغة تتعثر أحيانا بعد انسجام وترتبك بعد اندغام وتنطفيء بعد اشتعال؟ ولماذا تنقلب الصورة لاحقا حين يتحول الحبيب الى زوج والحبيبة الى زوجة فيحاول كل امتلاك صاحبه والسيطرة على أحاسيسه وسكناته وحركته وحراكه فيصبح في الحلبة راقص واحد وتابع مقلد مسلوب الأرادة ؟

دعونا نصف الظاهرة فيما يتعلق بعلاقة الرجل بالمرأة قبل وبعد الزواج، أذ أننا أمام حالة تبدو مثالا لمعظم الحالات: شاب عاشق متحرر في أفكاره ومعتقداته، تقدمي في النظرة الى المجتمع ويساند تحرر المرأة ويسعى اليه، وامرأة حالمة مصدقة معجبة بآراء هذا الرجل العصري، تناقش وتعلق وتختلف أوتتفق مع آراء الرجل في أغلب الأحيان. تناغم وتناسق في الأفكار والعواطف والرغبات. فما الذي يغير هذه الصورة بعد الزواج ولماذا تغير الشاب العاشق من حبيب تقدمي الى زوج رجعي والمرأة الحالمة الى زوجة لحوحة تراقب سكنات الرجل وخلجاته وحركته ؟

في رحلة البحث عن الحبيب ، تبحث المرأة في داخل الرجل عن ذلك الشخص الذي يبني لها أحلاما ويهيأ لها سلالم ملونة للصعود الى تلك الأحلام، ويبحث الرجل في ذات المرأة عن تلك التي زركشت له الفضاء ووافقته في كل شيء وأشعرته بذاته وتفوقه وذكوريته. وفي رحلتي البحث والمناكفة هاتين يبدو أن المرأة هي الطرف الخاسر. فهل نعتبر أن ما يحصل هو مجرد أفراز طبيعي لعقلية الرجل الشرقي عموما والعربي خصوصا؟ أم نتيجة لميراث من الذكورية داخل في نسيج الحياة وفي مفاهيمها ومواثيقها الأخلاقية وتشريعات المجتمع والدولة ؟ وهل نحن أمام حالة من الباطنية وأزدواج الشخصية يمارسها الرجل بحسب مصالحه وتنسحب على المرأة كذلك كنوع من رد الفعل؟

أن المعركة من أجل تحرير المرأة (والرجل أيضا) يجب أن تتم داخل عقل كل منهما. وليس من السهل الأنتصار في هكذا مواجهة أذا لم يتعرض عقل الرجل والمرأة وعقل الأنسان الشرقي عموما الى أعادة تشكيل تبدأ بالنضال داخل المدرسة والمناهج التربوية ثم الأسرة وتنتهي في مواجهة القوانين والتشريعات التي تكرس سيطرة جنس على آخر.

نضال من أجل أن يعود كل من الرجل والمرأة الى دخول حلبة تلك اللعبة الجميلة التي يشترك الأثنان في وضع قواعدها ويقتربان كل من أيقاع الآخر من أجل أيقاع موحد جديد وخطوات منضبطة ومنسجمة وواثقة.

وحتى تتحقق الحرية نحتاج الى تحرير الذات من الماضي، ومن السلفية، ومن القوانين التي تصب في مصلحة هذه السلفية. وحتى يتحقق الحب نحتاج الى الثقة بين طرفي حلبة الرقص حتى تتسق الخطوات وينسجم الأيقاع من جديد ويرتفع الحلم في المخيلة كما في الواقع.

* شاعر من الأردن ووزير الثقافة الأسبق

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *