من أجل الخبز وأكثر..




*كمال الرياحي

( ثقافات )

الذكرى الثلاثون لاستشهاد الشاعر الفاضل ساسي

لم تنصف التسميات دائماً ثورات تونس فكما لم لم تنصف عبارة” ثورة الياسمين” ثورة 14 جانفي لم تنصف عبارة ” ثورة الخبز” ثورة جانفي 1984 فلم يكن الخبز وحده سببا ولا كان هدفها بل كان ذريعة لرفع شعار أعم وقتها:” الخبز والحرية والكرامة الوطنية” وهي تقريبا نفس الشعارات التي يرفعها الشعب التونسي اليوم.










من اجل الخبز وحده هكذا عنون المغربي محمد شكري سيرته الذاتية يوما التي دون فيها معاناته من أجل الحصول على الخبز وحده ثم اختار لها عنوانا آخر عرفت به” الخبز الحافي” غير بعيد عن المغرب الأقصى كان للخبز طعما آخر . ففي تونس سقطت الأرواح وازهقت من أجل الخبز سنة 1984 في انتفاضة هي أشهر ما عرف عن الشعب التونسي قبل ثورة 14 يناير الأخيرة. من ضمن الضحايا كان شاعرا أسقطته رصاصات البوليس في شارع باريس المنفتح على شارع بورقيبة ، بورقيبة الرئيس آنذاك . 
مرت هذه الأيام الذكرى الثلاثون لاستشهاد الشاعر الفاضل ساسي فاحيت تونس هذه الذكرى بالكثير من الألم في فضاءات ثقافية كثيرة وعلى شبكة التواصل الاجتماعي.
الفاضل ساسي سيرة بطل
الفاضل ساسي أستاذ اللغة والآداب العربية ولد في 8. سبتمبر 1959 درس بتونس العاصمة والمعهد الصادقي وبكليتي الآداب 9 أفريل ونوبة قبل ان يشتغل بداية الثمانينات أستاذا للغة العربية بالمعهد الثانوي بمدينة تبرسق احدى مدن الشمال الغربي حتى يوم استشهاده في 3 جانفي 1984 واغتياله غدرا في شارع باريس وهو يدافع عن الفقراء في مظاهرة شعبية تحتج على الترفيع من أسعار الخبز التي أقرها النظام. والذي اضطر للتراجع عنها .
عرفه القراء من خلال قصائده الثائرة بجريدة ” الوحدة” وقد كان بقصيدته “قبري أرجوك تمهلني” التي نشرها قبل ثلاثة أيام من استشهاده عميق الأثر في نفوس أصدقائه وقرائه حيث ظهر وكأنه قد تنبأ بموته فيقول:
” تكفيني الشمس/ في ظلام القبر../وأولد في الموت،/ رغم قصر العمر../ وابعث قبل الحياة نورانيا/ رغمك، زمان القهر…/ امتص نهد الأرض حلولا،/ خاويا في يسر/ أتشعب في شرايانات الكرة،/ طيرا، بركاني البحر” 
من القتل التراجيدي إلى الحضور الأيقوني 

مما زاد من تراجيديا هذا الفقد أن مصورا فوتوغرافيا دون ذلك الاغتيال لقطة لقطة يصف ذلك الكاتب جلول عزونه في كتاب ” الشهيد الفاضل ساسي’ وقدير ان أرحل”:” وقد صور مصور فوت غراي موته في ثلاث لقطات مؤثرة جداً فنراه في الأولى، وقد اصابته الرصاصة، يتهاوى، ونراه في الثانية، ممددا لكن رجله ما تزال في الهواء، ونراه في الثالثة وقد سكنت حركاته فوق شباك حديدي لمجاري المياه المستعملة وقد اقترب منه مواطن ان: امراة وشاب وعلامات الدهشة مرسومة على وجهيهما، بينما يظهر في آخر الصورة مدخل رخامي لماع لأحد المؤسسات” ويضيف عزونه محللا “، لقد كانت هذه الصور تعبيرا واضحا عن مأساة الموت من أجل الخبز في أطار رخامي”
ان هذه الصور تكاد تعطي الإحساس نفسه لصور استشهاد الفلسطيني محمد الدرة الذي مان يحتمي بوالده ، فرؤية صور الفاضل ساسي كان تصف احتماء شعب بشاعر هو فارسه. شعب أراد له زعميه ورئيسه أن يكون شعبا متعلما ولكنه نسي أن المعرفة أول الطريق إلى الحرية وأن المتعلمين يتحولون إلى قنابل موقوتة تهدد النظام القمعي.
تحولت صورة الفاضل ساسي إلى أيقونة تشير إلى الصراع بين المثقف والسلطة والمبدع والنظام ولم تعوضها لوقت إلا صورة محمد البوعزيزي مع الثورة الأخيرة والتي سرعان ما تراجعت لتعود أيقونة الشاعر الشهيد من جديد . والملاحظ أن الانتفاضات التونسية ظلت ثورات شعرية حتى اليوم فلئن أكلت ثورة الخبز شاعرا فقد رفعت الثورة الأخيرة شعارا مجترحا من منجز شاعر “إرادة الحياة” لابي القاسم الشابي.
أفكاره الحرة هل هي السبب؟
ظل الفاضل ساسي موضوع رثاء للشعراء التونسيين الى اليوم وكأنهم يرثون أنفسهم عبر الأنظمة الكثيرة التي عاشوها والتي لم تتركهم يعيشون وضيقت عليهم عيشهم. لكن لماذا قتل الفاضل ساسي من دونهم؟
كتب الفاضل ساسي الشعر و القصة وبعض و المسرحية والمقالات النقدية فاهتم بمحمود بيرم التونسي وأفكاره السياسية والاجتماعية من خلال آثاره الشعرية وكان له رأي في اللغة العربية التي راها” المقوم الاساسي للشخصية والذاتية لكل شعب” وبدا في مقالته قوميا معارضا لفكر بورقيبة القطري، مناديا بالوحدة العربية متذمرا من حضور الفرنسية بعد الاستقلال حضورا طغى حتى على العربية ويسحب ذلك على الدول العربية الاخرى في المشرق والمغرب والتي رأى أن استقلالها سيظل منقوصا ما دامت ترفع لغة مستعمريها مرتبة اهم من اللغة الاصلية. كما كانت للشهيد ساسي مواقف وآراء حول الفن ومكانته في الحياة البشرية فيرى :” ان الفن ليس لهوا او مجرد ترف بل الفن ضرورة ملحة من ضرورات الانسانية في حوارها الشاق والمستمر مع الكون المحيط بها.. فلا انسان بلا فن” ويضيف” الفن امتداد الانسان في العالم الخارجي ” وتأتي ضمن مقالاته عن الفن إجابة عن مصيره حينما قال” نحن بحق في حاجة الى الفن لكن هذه الحاجة لا يمكن ان تقارن بحاجتنا الماسة والأكسدة للهواء والماء والأكل” وفي دفاعه عن هذا كله سقط شهيدا. ومن ثمة فنحن أمام مثقف عضوي ملتحم فكره بقضايا شعبه وبحاجات المهمشين والبسطاء والفقراء الذين نزلوا يدافعون عن خبزهم فكان معهم انسانا وفنانا.
_________
* أديب من تونس


شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *