التلوث المهني ومعايير الثراء


*سهيلة غلوم حسين


تمنيات كبار السن في عودة الزمن الى ما قبل الثروات يترك مجالاً للتساؤل عن أبعاد ما يرمزون له، لكن في كل الأحوال ثمة مشاهد جلية تؤكد أحقية هذا التمني خصوصاً أن العالم المتحضر الذي نتفق عليه بأنه أكثر علماً وتقدماً نجده في المقلب الآخر زمن الأوبئة المالية بعد التثبت من أن جرثومة السعي للثراء غير المشروع على حساب بني البشر تمددت وباتت تسيطر على آدمية الإنسان الذي خلع بعضه ثوب الشفافية ليرتدي مغايره غير عابئ بمصيره.المهن كثيرة ومتعددة وأصحابها متعددون ومختلفون في مستويات الإخلاص والأمانة والالتزام كل في مهنته، وشرف المهنة يحتم على كل صاحب عمل متخصص أن يتعامل مع وظيفته بمصداقية وأمانة وبأسمى الأخلاق، وأن يضع أمام عينيه حقيقة ما سيدفعه ثمناً غالياً يضاهيه أي مال أمام الناس والمجتمع. والواقع الحالي أصبح يفتقد لمن لا يساومون على وجودهم وسمعتهم في ظل غياب الضمير المهني في أغلب الأشغال مثل مهنة الطبيب أو المحامي أو المعلم وغيرها من هذه الأعمال الشاقة، وبكل أسف يختبئون تحت غطاء الصدق وتحت عنوان الإخلاص والوفاء لرسالتهم، فيما ترتسم على محياهم الابتسامة، وينطلي على الناس مشهد التسابق لفعل الخير في حين لا يزالون يخدعون من لم يسبق لهم التعامل معهم. حول بعض أصحاب المهن من الذين ذمة لهم و ضمير والذين لا يراعون ولا يفقهون شرف مهنتهم إلى تجارة حيث انهم يهتمون إ بجني وملء جيبوبهم بالمال كغيرهم من التجار الجشعين الذين يتاجرون بآم ومعاناة البشر. فعندما تتحول مهنة الطب إلى تجارة يهمل علاج المريض ويتضخم مرضه ويعامل المريض المسن وكأن أيامه باتت معدودة ولن يحتاج إلى علاج بسبب استخفاف الطبيب بالحات التي تأتيه وغياب الضمير المهني والأخلاقي، وعندما تتحول مهنة المحاماة إلى تجارة تنتهك وتغتصب حقوق المظلوم في المحاكم بسبب إهمال المحامي وعدم إخلاصه في عمله وغياب الضمير المهني والأخلاقي، وعندما تتحول مهنة التعليم إلى تجارة تزداد الدروس الخصوصية ويزداد العبء المالي على اسر وقد يضيع مستقبل أبناء اسر غير المقتدرة بسبب غياب الضمير المهني والأخلاقي، وعندما يغيب الضميروامانة والإخلاص في أي مهنة يحضر الظلم وتعم الفوضى ويصبح الفرد فوق القانون. هناك جملة من اسباب التي أدت إلى بروز ظاهرة الاتجار بالمهن وبأزمة الضمير، وأبرزها المادة وانتشارها وذيوعها بين طبقات المجتمع وسيادة النزعة المادية في كثير من البيئات والتي أدت إلى مضاعفة الحاجة إلى الترف والإقبال المتزايد على الكماليات التي لم تكن معروفة في الماضي. وأيضاً غياب الوازع الديني واخلاقي واستبدال الصدق والإخلاص والمحبة وامانة بالكذب والخداع والخيانة، فاخلاق ليست دروساً تحفظ و مواعظ ونصائح تسدى وإنما هي مجموعة من المعايير اخلاقية التي يجب أن تعتمد في كل اوقات وفي كل المجالات ولما لها من أهمية بالغة في حياة الفرد والمجتمع وتنظيمه واستقراره، فبغياب اخلاق مات الضمير المهني وسادت شريعة الغاب وإرادة القوة بدل إرادة الحق. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل ما يقوم به بعض أصحاب المهن التي حولوا أعمالهم إلى تجارة فاسدة لجني الأموال بسبب أزمة الأخلاق والضمير يدركون أنهم أدوات التلوث الفعلي الذي يتفشى في كل الاتجاهات وأنهم السبب في ارتكاب جريمة الأزمة الإنسانية؟
_________ 
* كاتبة كويتية/(الراي)

شاهد أيضاً

رِسَالةُ ودٍّ إلى شَاعِرٍ صَديقٍ وَدُود

(ثقافات)   رِسَالةُ ودٍّ إلى شَاعِرٍ صَديقٍ وَدُود د. محمّد محمّد الخطّابي *   أيها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *