حوار مع الروائي الإيراني شهريار مندانيبور


* ترجمة: لطفية الدليمي

شهريار مندانيبور : روائي و كاتب عمود صحفي و أستاذ أكاديمي إيراني متخصص بالأدب الإيراني و السينما الإيرانية ، ولد في ( شيراز ) عام 1957 و نشأ وعاش فيها حتى عام 1975 حين غادرها إلى جامعة طهران لدراسة العلوم السياسية و تخرج من الجامعة عام 1980 ، و شارك عام 1981 في جبهة القتال أثناء الحرب العراقية – الإيرانية لمدة 18 شهرا. غادر عام 2006 إلى جامعة براون الأمريكية ليكون زميلا في مشروع الكتاب العالميين ثم انضم إلى جامعة هارفرد و انصرف للكتابة في عامي 2007 و 2008 ثم عاد عام 2011 إلى جامعة براون أستاذا زائرا في قسم الفنون الأدبية و هو يحاضر الآن في الأدب الإيراني المعاصر و السينما الإيرانية الحديثة . نشرت روايته الأخيرة ( قصة حب إيرانية تحت مقص الرقيب) عام 2009 وترجمت إلى عشر لغات و هي روايته الوحيدة المترجمة إلى الإنكليزية وقد عدتها صحيفة النيويوركر واحدة من أفضل الروايات المنشورة عام 2009 ، و هي ليست رواية عن قصة حب إيرانية حسب بل قصة عن حب الكتابة و كشف طبيعة الحياة في إيران ما بعد الثورة الإسلامية وهي رواية عن القص والحكي وكيفية مواجهة رقابة الأنظمة المتشددة بأسلوب ساخر ممتع إضافة إلى كونها مرجعا في الحكايات التراثية الفارسية وبعض الروايات العالمية التي تقارب موضوعة الحب من وجهات نظر ثقافات مختلفة.

يتناول مندانيبور في احدى مجموعات مقالاته الخاصة بالكتابة الإبداعية و المعنونة ( كتاب أشباح شهرزاد( عناصر القصة و الرواية و كذلك نظرياته في طبيعة الأدب و أسرار الرواية ، و يكتب في موضع ما من هذه المجموعة قائلا :” الأدب هو الخيمياء التي تحول الحقيقة إلى كلمات لتخلق بذلك ظاهرة جديدة تدعى الحقيقة الروائية ” . الحوار الآتي مأخوذ عن إجابات مندانيبور لأسئلة وجهت إليه في موقع ” The Writers Words ” الإلكتروني و ثمة سؤال وحيد نقلته مع إجابة مندانيبور يتعلق بروايته ( الرقابة على قصة حب إيرانية ) وقد أخذته عن موقع ” Sampsonia Way “
الحوار
× كيف تصف صورة القارئ المثالي لأعمالك ؟
• أعتقد أن هذه الصورة تعتمد كثيرا على الحقبة الزمنية التي يكتب فيها الكاتب أعماله . عندما يكتب الكاتب فانه يحاول ان يروي القصة لنفسه و لا يفكر في أي قارئ محتمل ولكن قد تأتي عليه برهة زمن عندما يكتب مقطعا جميلا يفكر أثناءها بوقع ذلك المقطع على القارئ . كل كاتب له تصور ما عن القراء المثاليين لأفكاره و يمكن لهؤلاء ان تكون لهم قوة للارتحال و السكن في ثنايا الرواية التي يكتبها الكاتب و ربما كان لهم دور في إضافة شيء ما جوهري إليها . لدي أنا ذاكرة جميلة كقارئ وأذكر إنني كنت مرة في مدينة ( أصفهان ) الإيرانية منصرفا إلى بعض شؤون عملي عندما جاءتني طالبة جامعية شابة وأخبرتني أنها أحبت كثيرا قصتي القصيرة ” الشرق البنفسجي Violet Orient ” و قد شكرتها قائلا :” الناس المهذبون اللطفاء غالبا ما يمتدحون عمل الكاتب حتى لو لم يكونوا قد قرأوا جملة واحدة مما كتب ، و لو انك أعدت على مسامعي جملة واحدة فقط من مجموعتي التي ذكرت لمنحتك جائزة ثمينة ” ، و هنا بدأت الطالبة بترديد جمل كاملة عديدة من مجموعتي بالاعتماد على ذاكرتها و كانت نبرة صوتها بالضبط كنبرة صوتي عندما كنت اكتب القصة و قد اكتفيت بهذا و طلبت إليها أن تتوقف لكنها كانت تتدفق مندفعة و رأيت أنها لم تكن تحفظ الجمل بل إنها لفرط ما قرأتها صارت نصا مفتوحا أمامها !! و قد فكرت حينها طويلا بأية جائزة يمكن ان أكافئ هذه القارئة المثيرة و لم اجد شيئا يليق بها و ربما كانت كتابة قصة أخرى هي الجائزة المناسبة لقارئ مثالي كهذه الفتاة.
× أين تفضل أن تكتب و متى ؟
• قضيت ثمانية عشر شهرا في الجبهة أثناء الحرب العراقية – الإيرانية عندما كنت أؤدي خدمتي العسكرية الإلزامية كضابط ملازم و ربما لن تصدق إذا قلت لك إنني كنت أحيانا اكتب على حافات المجلات المتاحة أمامي و أنا في الخندق حيث كنا نعيش و كأننا مخلوقات تحت – أرضية !! لم يكن ثمة مصدر ضوء متاح لنا سوى فانوس صغير كنت اكتب على ضوئه بينما قذائف الهاون تنفجر من حولنا . أستطيع أن أقول ان شخصا مثلي يحب أن يكتب في أي ركن صغير هادئ متاح أمامه و قد اعتدت على هذا تماما . لم يعد مهما لي أبدأ أين و متى اكتب و كل ما أحتاجه هو مأوى بسيط يحتويني و أشعر بأنه ملكي بالكامل ولو لبضع ساعات !! توقيت الكتابة لا أراه موضوعا مهما لأنك أنت من تختاره مثلما يختارك هو .


× هل تستمع إلى الموسيقى و أنت تكتب ؟
• نعم بالتأكيد . سؤالك هذا يحزنني كثيرا فلطالما افتقدت مجموعاتي الموسيقية من الأقراص المضغوطة و الكاسيتات التي تركتها ورائي في إيران التي جمعتها على مدى سنوات عديدة ، فكما تعلم مرت علينا أيام بعد الثورة الإيرانية منعت فيها الموسيقى في ايران وكان من العسير جدا إيجاد موسيقى راقية و الاستماع إليها ، فلم يكن ثمة سبيل لسماع سمفونية أو أغنية جديدة و هو الأمر الذي دفع إلى نشوء سوق سوداء للموسيقى و لكن للأسف كانت الموسيقى السائدة فيها هي الموسيقى الرخيصة و الرديئة . كان لدي في مجموعاتي الموسيقية كل الأنواع الموسيقية و أنا في العادة أستمع إلى الموسيقى الرومانسية عندما اكتب مشهدا رومانسيا و استمع إلى موسيقى كلاسيكية عندما اكتب مشهدا تغلب عليه التفاصيل المعقدة ، فالموسيقى تساعدني على تشكيل صور متخيلة في ذهني عندما اكتب .

× هل تملك فلسفة معينة عن كيفية الكتابة و لماذا تكتب ؟
• أشعر أحيانا بأن هناك أفكارا و عواطف لا يمكن التعبير عنها بالكلام المنطوق حسب ، لذا يكون لزاما عليك ان تكتب عنها . هناك قصة ما وراء مشاعرنا دائما و نحن نحاول سرد هذه القصة لأنفسنا و لمن حولنا بقصد خلق نوع من نظام ما يجمع هذه المشاعر . عندما تبدأ الكتابة و تنتهي من رواية قصتك تتحسس ان مشاعرك لم يتم التعبير عنها بالوضوح المطلوب و هذا يشكل دافعا لك للانغماس في الكتابة اكثر و الانخراط في كتابة قصة جديدة.
× كيف توازن بين المحتوى و الشكل؟
• الشكل هو كل شيء عند كتابة القصة . خذ مثلا قصص و حكايات ( ألف ليلة و ليلة ) التي أعيدت روايتها آلاف المرات حول العالم ، و قد نتساءل : ما الذي بقي لنا منها لنعيد سرده ؟ الشيء الوحيد المتاح أمامنا هو ان نعيد سردها في شكل جديد أي بكلام مختلف عما جرى من قبل و ليس هناك من قصص جديدة كثيرة و كل ما نفعله هو أن نعيد رواية القصص القديمة في شكل جديد . الأشكال الأولية Archetypes للقصة تتلبسنا كل مرة نسرد فيها قصة ما . كل قصة لها شكلها المتفرد و أرى أن وظيفة الكاتب تكمن في إيجاد ذلك الشكل والإحساس به و ينبغي ان يكون قويا متمكنا ليتناول ذلك الشكل و هذه هي الإشكالية التي قد يُهزم فيها بعض الكتاب .

× هل هناك فكرة ما حول الكتابة وجدت فيها إلهاما لك ؟
• هي فكرة الكاتب الإيراني ( هوشانك كولشيري ) : تصور ان لديك هدفا و انك تروم إصابة القلب من الهدف ، هنا يقول كولشيري ” ان الكاتب الجيد يستطيع إصابة الهدف في القلب مباشرة لكنه لن يفعل هذا بل سيحاول التصويب قريبا من القلب و باتجاه الحافة ” . عندما تكون الحافات تحت قدرتك الإبداعية تكون قد ملكت كامل الهدف مع القلب أيضا ، فلا ينبغي هنا للكاتب ان يطرق موضوعه مباشرة . يخاطب كولشيري الكاتب فيقول : ” امتد بخيالك حيث الحافات الخارجية و الطبقات المخفية و دع القارئ يتخيل ما الذي يمثله القلب في قصتك ،،، دع القارئ يروي لك قلب الرواية التي جاهدت أنت في روايتها ” .

× تبدو روايتك ( قصة حب إيرانية تحت مقص الرقيب) ذات شكل متفرد تماما . هل تراها رواية ما بعد – حداثية ؟
• كل القصص قد حكيت من قبل ، و الكاتب الشجاع ليس من يجد قصة جديدة بل من يجد طريقة جديدة في سرد قصة قديمة ، و لو تمكن من فعل هذا لصار نتاجه بمثابة تحفته الموعودة ( الماستر بيس). ينبغي علينا دوما ان نجد طرقا جديدة للقص ، و فكرة القصة هي من ستدل الكاتب على إكمال مهمته بنجاح و ليست الفلسفة الجمالية التي ينتمي إليها . أحب القصص الما بعد – حداثية و لكن لا أرغب أبدا ان أدفن تحت ركام أي مصطلح أو مدرسة أدبية .

× أية نصيحة تراها ملهمة للكتّاب الواعدين ؟
• إذا توقفت يوما عن الكتابة و كان بإمكانك المضي في حياة عادية و آمنة فاعلم أنك لم تخلق لتكون كاتبا والأفضل لك هجران الكتابة إلى الأبد ، أما إذا شعرت بالسخف و خواء الروح عندما لا تكتب فأهلاً بك إلى العالم العجائبي اللامتناهي للكتابة.
_______
*روائية ومترجمة من العراق/( المدى)

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *