فركوح: غالبية الذين يتصدرون المشهد الثقافي ليسوا مثقفين


*وداد جرجس سلوم

إلياس فركوح، قاص وروائي وناشر ولد في عمّان عام 1948، حيث تلقى تعليمه حتى الثانوية العامة متنقّلا بينها وبين القدس. حاصل على بكالوريوس في الفلسفة وعلم النفس، من جامعة بيروت العربية. له 9 مجموعات قصصية قصيرة، وثلاث روايات كانت آخرها “أرض اليمبوس” التي دخلت القائمة القصيرة لـ”البوكر” عام 2007 بعد أن قوبلت روايته الثانية “أعمدة الغبار” بما يشبه الجفاء النقدي وألمح حينها أن الخلل قد يكون سببه الوسط الثقافي الكسول المقبل على الأعمال السهلة.
 التقينا فركوح في  مكتبه بدار أزمنة من أجل فتح الباب على مصراعيه للحديث عن الوسط الثقافي “الكسول” والوسط الثقافي العربي بشكل عام: وضعه وماهيته ودور المثقف فيه ضمن الحروب والمآسي التي تجتاح مجتمعاتنا العربية.

إلياس فركوح الروائي والقاص والناشر ما زال مصرا على الكتابة وعلى نشر الكتاب وهو الذي قد أعلن سابقا بأن “البيئة الاجتماعية العربية بيئة أدارت ظهرها للثقافة وللمثقفين منذ زمن” وحول مقولته هذه عن واقع الثقافة في المجتمعات العربية.
وأضاف: “كل أشكال الثقافة الناتجة عن العقل والذائقة وكافة المعطيات الثقافية التي ترتقي لسوية وعي الفرد وكيف يمكن أن يقرأ العالم عبر امتلاكه أدوات غير تقليدية لاستقبال الأحداث في العالم وكيف يمكن أن يتواجه إيجابيا مع مجتمعات أخرى آسيوية وصينية وأوروبية وغيرها، معززة بأثقال ثقافية، مجتمعات نغلت فيها وترسخت مجموعة قيم تتيح لها قراءة العالم بوصفه كتابا، كل أشكال الثقافة هذه أصبحت في مجتمعنا العربي مغرّبة تماما منذ فترة طويلة ليس أقل من ثلاثة عقود.
وهذا يعني تقريبا ثلاثة أجيال فإن لم نكن نملك لغة هذا العالم فلا نستطيع أن نفهمه ونتعامل معه على نحو سوي وسنبقى ننظر إليه من أسفل على أنه اليد العليا، بهذا المعنى ثلاثة عقود نحن مغربون عن العمق الثقافي وبالتالي نحن مغربون عن الأدوات الكفيلة بمساعدتنا على قراءة العالم، وقراءة أنفسنا على نحو وثيق”.
بنى ناقصة
بالرغم من التداخل الواضح بين السياسي والثقافي إلا أنه يمكن لنا اعتبارهما نقيضين فالسياسة تشتغل على الجزئي والفردي وقوامها الاختلاف؛ بينما الثقافي يشتغل على المستقبل العام بغية مواءمة المجتمع حول الأفكار والمعتقدات التي تبني الإنسان، وكأننا بهما يشغلان حيزين منفصلين كل منهما يصارع لينتزع قدرا من حيز الآخر، وفي ما إذا كان يمكن الاعتماد على الحيز الثقافي لاحتلال الجزء الأكبر من حياتنا لأجل البناء في هذا الزمن السياسي الذي أقل ما يمكن وصفه بالمتردي.
يرى إلياس فركوح أن الضعف والهشاشة والعجز طال الحياة السياسية كما الثقافية من خلال قوله: “حاليا هناك تجريف بالحياة السياسية من قبل الأنظمة، والواقع السياسي على مستوى الشارع والذي يفترض أن يظهر بوعي طبقي -تنظيمات وأحزابا- غير مؤهل لطرح أي إجابة أو أي فعل إيجابي، والواقع الثقافي هش وضحل كما أسلفنا وبالتالي لا يعوّل على البعد الثقافي في عملية التغيير على الأقل في المدى المنظور ولا المراهنة على الروابط والأحزاب السياسية لتكون حاملة لمشروع الوطن، فقبل أربعين عاما كان هناك تداخل بين الثقافي الحيوي والسياسي الحيوي فكان المثقف يطمح للعب دور في الحيز السياسي وبالعكس.
الآن لا المثقف مقتنع بالحالة السياسية وتمثيلاتها ولا السياسي الرسمي مؤهل للدخول في الحياة الثقافية لأنه أساسا غير مثقف وبالتالي نحن أمام بنى ناقصة غير ناضجة بل وبعضها مصاب بالتشويه في البعدين السياسي والثقافي على حد سواء”.
نقطة توازن
إلياس فركوح الذي أعلن عام 2007 أنه “لم يكن لي شأن بما هو آنيُّ الحدوث، إلاّ بقدر ما يُتيح لي أن أسبر القاعدة أو الأرض التي أنتجته، محاولا فهمه مقيما إيّاه فوقها”.
وبناء عليه رغبنا في معرفة رأيه حول تموضع المثقف الحقيقي في زمن أصبح بكل وضوح زمن القطبين -مع أو ضد- وبات المثقف مكسبا يرغب كل طرف في اجتذابه إلى صفه لتقوية موقفه، وفي ما اذا كان يصح للمثقف أن يكون في أرض اليمبوس أم أنه من واجب المثقف أن يكون فاعلا حقيقيا من أجل أن يعود بوصلة المجتمعات ويشكل في المراحل الحرجة التي تمر بها مجتمعاتنا العربية صلة الوصل بين المجتمع والسلطة السياسية قال: “واقع الثقافة العربية هش وخير دليل على ذلك أن غالبية الذين يتصدرون المشهد الثقافي ليسوا بالمثقفين الحقيقيين، والمثقف الحقيقي مهمش في حيّزه وغير فاعل فكيف يستطيع الفعل في الواقع السياسي وهو ضمن مجتمعات ليست فاعلة أصلا وأستشهد هنا بمقولة لـ”سعدي يوسف” وهي تمثل وجهة نظري في المثقف “أسير مع الجميع وخطوتي وحدي” فالجماهير تسير في غاياتها وأهدافها النبيلة ومشاركة المثقف في هذه المسيرة العامة تكون بما ينتجه وبأدواته المختلفة كما في الثورة المصرية (ثورة 25 يناير) حيث شارك المثقفون المصريون كل من موقعه بالعملية التنويرية عبر وسائل الإعلام، وللتوضيح فأرض اليمبوس ليست أرضا وسيطة لكن اليمبوس تحديدا هي الأرض الوحيدة التي تحمل أسئلتي وحيرتي وتوقي لأن أكون أنا بكامل نقصي، إذ ليست هي الجحيم كما أنها ليست الجنة”.
ويضيف فركوح قائلا: “أنا أبحث عن نقطة توازن وليس بالضرورة أن تكون في المنتصف وبالمناسبة فإن إحدى المعاني التي حمّلتها لرواية “أرض اليمبوس” أنه حين تكون هناك معركة ومطلوب منك تحديد موقف لا بد من اللجوء إلى اليمبوس ومثال على ذلك ما حدث ويحدث في سوريا، ففي بداية الحراك أو الثورة أو الانتفاضة كانت الأشياء واضحة وضوح الشمس، فساد كامل واستئثار وقمع من قبل النظام؛ والناس انتفضوا لسبب بسيط أظهر كل متراكم عميق من القهر والغضب.. وكان واضحا أنك لا بد وعلى المستوى الأخلاقي والإنساني أن تتخذ موقفا وتكون مع هؤلاء الناس؛ ولكن بعد عسكرة الحراك أو الثورة ودخول عناصر إقليمية دفعت بعناصر ظلامية إلى صفوف المعارضة بات الشخص حذرا باتخاذ موقف، وأنا عموما ضدّ أي استبداد بصرف النظر عن القوى التي تقف معه أو ضدّه؛ ولكن السؤال هل يجوز استبدال هذا الاستبداد المعمّر أربعة عقود باستبداد آخر غامض، وما يظهر منه الآن قد يكون ما يظهر من جبل الثلج؟”.
جماهير غير مثقفة
وفركوح كما بعض المثقفين العرب يستخدم عبارة “ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي” ولكل مثقف منهم وجهة نظر بهذه التسمية وليست بالضرورة إنكار الربيع فهو يقول: “التسمية لها دلالتان؛ الأولى تأتي من ربيع براغ بمعنى التدفق وتقترب بالتسمية إلى الانتفاضة، والثانية وهو ما قد أكون معه هو مفهوم تقليدي للثورة قيادة وأحزابا وتنظيمات جماهيرية.
في الانتفاضات العربية تحركت كافة شرائح المجتمع، وكان في الصف الأمامي الشباب فاقد الأمل بالمستقبل الذي رآه مظلما ومجهولا، فانتفض وكانت ثورة مصر التمثيل الأصدق للمطالب الأساسية التي دفعت الناس إلى الشارع وهي لقمة العيش والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية؛ إن العدالة الاجتماعية تؤدي بالضرورة إلى الديمقراطية وهي إحدى الأشياء التي تدفعني للقول بأن من رفع شعارات 25 يناير لم يكونوا مسيَسين وكانوا يطالبون بمطالب كافة الشرائح المصرية: مثقفة وغير مثقفة، مؤدلجة وغير مؤدلجة.. كذلك الانتفاضات التي حصلت في باقي الدول العربية ليس وراءها تنظيمات وإن وجدت فتأثيرها هامشي غير مستمر بالأحداث اللاحقة، وهذا يفسّر سهولة سرقتها أو ركوبها من قوى أكثر تأثيرا على الناس البسطاء، وأقصد هنا التنظيمات الإسلامية أو التي تتحرّك تحت شعارات إسلامية؛ ونتائج انتخابات مصر وتونس وفوز التيارات الإسلامية تعني أن الجماهير التي صوتت جماهير غير مثقفة ولا هي مسيسة”.
مغامرة النشر
وبعد كل العتمة والظلام اللذين يلفان المشهد الثقافي ناهيك عن المشهد السياسي، هل يحق لنا أن نسأل لماذا يصر الناشر على عمله؟ وما هي مسؤولياته تجاه القارئ؟ وكيف يمكنه الاستمرار في ترويج الكتاب (مؤلفا وناشرا)؟ وما المقومات التي يعتمدها بهدف تجاوز الآنيّ الكئيب وبرؤية الديمومة والاستمرارية ونحن الذين نصادف اليوم الكثير من العناوين الرائجة مثل “يوميات في المعتقل” التي تتصدر عناوين وأغلفة كثيرة، في حين يكتفي مضمون الكتاب بإشارة متواضعة لهذه اليوميات ويُبحر بعدها الكاتب في عوالم شخصه وحياته وأناه.
وهنا ابتدأ فركوح صاحب دار أزمنة للنشر بالقول: “بداية لا بد من الاعتراف بأن غزارة الإنتاج ليست معيارا لمعرفة نجاحك كناشر في المجال الثقافي والتنويري؛ وهناك نوعان من الناشرين نوع رأى في النشر تجارة رابحة، ونوع آخر رآه رسالة ثقافية؛ لكن صناعة الكتاب تأبى أن تكون محض تجارة وربح، وتأبى أن تكون فقط رسالة ثقافية وتحديدا في مجال القطاع الخاص.
________
*( العرب)

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *