د. دوجة مملوك تتحدث عن تجربتها في تدريس الأدب التونسي بالجامعات الأميركية


حاورتها : فاطمة بن محمود

( ثقافات )


من الكفاءات الأكاديمية التونسية الباحثة في الآداب العربية الدكتورة دوجة المملوك التي تدرّس الأدب التونسي في الجامعات الأمريكية، و أخذت على عاتقها الاهتمام خاصة بالأدب النسائي التونسي بحثا و تدريسا، التقيتها في زيارتها الأخيرة لتونس و قد كان معها هذا الحوار :

دكتورة دوجة أنت واحدة من الكفاءات التونسية التي تدرّس في جامعات الولايات المتحدة الامريكية .. ماذا يمكن ان نعرف عنك ايضا ؟


بعد حصولي على شهادة الباكالوريا في تونس دَرَسْتُ الأدب الفرنسي و العلوم السياسية في الولايات المتحدة الامريكية و بعد تخرّجي انتقلت الى مصر و واصلت دراستي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة و تحصلت على الماجستير في دراسات الشرق الأوسط ثم التحقت بجامعة جورج تاون في واشنطن حيث أحرزت على الدكتوراه سنة 2010 في الألسنية و الأداب و التحقت بجامعة تينيسي حيث أدرّس الى حد الآن .

بصفتك تدرّسين الأدب في الجامعات الأمريكية هل تعتقدي حقا ان الأدب التونسي قد اكتسب صفات العالمية و بامكانه أن ينازع الآداب العالمية و يفرض نفسه ضمنها ؟؟


في جامعة تنيسي أنا أدرّس باللغات الثلاث العربية و الفرنسية و الانقليزية الأدب العربي الذي يكون مترجما عادة الى الانقليزية، و في الحقيقة أنا أجد صعوبة كبيرة جدا في الحصول على الأدب التونسي لأنه غير مترجم الى الانقليزية باستثناء رواية لحسونة المصباحي و اخرى للحبيب السالمي غير هذا تبدو المكتبة التونسية غير مهتمة بالترجمة الى الانقليزية و هذا يعوق كثيرا الأدب التونسي من الوصول الى الآخر و التعريف بنفسه . 
وفي الحقيقة أعتقد ان الأدب التونسي لا يمكن ان ينازع العالمية اذا لم يصل الى القرّاء في كل جهات الأرض و لم يعرّف بنفسه و يقدم مواهبه و يكشف عن تميّزه اذا ظل بعيدا عن الترجمة الى اللغات العالمية اضافة الى حسن التوزيع الذي يضمن حضوره في أهم المعارض العالمية للكتب، و بالتالي لا يصل الى القارئ في كل مكان .. فأنا أتفاجأ أن الأدب التونسي غير موجود حتى في السوق المصرية بل أحيانا أجد صعوبة في الحصول عليه في تونس أصلا .. 
اذن يجب مراجعة الظروف التي تحفّ بالكتاب التونسي حتى يقدم نفسه بشكل جيّد في العالم. 

لماذا اخترت البحث في الرواية النسائية التونسية ، هل تعتقدي انه يمكن فعلا ان نفصل بين أدب نسائي و أدب رجالي أو ذكوري ؟


في الأصل الأدب لا ينقسم بين نسائي و رجالي .. فالأدب انساني و التقسيم هنا اجرائي فقط ، ذلك اني لاحظت غياب البحوث و الدراسات التي تعنى بالأدب النسائي التونسي 
و الموضوع الذي أشتغل عليه هو ” صورة الرجل في الكتابات النسائية ” فنحن ندرس كثيرا صورة المرأة في الأدب الذكوري و لكن لم ننتبه كثيرا الى صورة الرجل في الأدب النسوي فأردت تسليط الضوء على هذه الناحية و من خلال أبحاثي في هذا المجال لاحظت ان ظروف الكتابة عند الرجل ليست هي نفسها عند المرأة، و الباحثة السوسيولوجية باتريس ديديي تكشف في احصائياتها العلمية أن مشاغل البيت تلتهم عمر المرأة ما بين 20 الى 40 سنة، و انه بعد الاربعين يمكن للمرأة ان توجد لنفسها مساحة للابداع، و بالتالي فإن فرصتها في الكتابة عموما أقل من الرجل و هذا يؤثر على انتاجاتها كميا و ربما كيفيا ايضا بمعنى يفرد كتاباتها خصوصية ما.
من هذا المنطلق أجد الكتابة النسائية لا تختلف عن الكتابة الذكورية، و تخضع نقديا الى نفس المقاييس العلمية و لكن أعتقد ان الأدب في عمومه لا يعترف بحدود بين الذكر و الأنثى ولذلك لم أقتصر في أبحاثي الأدبية على المبحث النسوي بل اهتممت ايضا بجماعة تحت السور و اكتشفت أبعادا جمالية و ابداعية هامة جدا في تجاربهم الأدبية ..

في الوقت الذي يبدو الحضور التونسي الأدبي في الجامعات التونسية محتشما تسعين انت للتعريف به في واحدة من اهم الجامعات الأمريكية كيف تفسرين هذا؟


لقد فوجئت كيف ان الجامعة التونسية لا تهتم كما يجب بالأدب التونسي وان كان ذلك حقيقة فهو يكرّس نظرة دونية في التعامل مع الأدب التونسي وأعتقد ان هذا لا يجب أن يكون، أظن ان الضريبة سيدفعها الكتّاب انفسهم عندما يغمط حقهم في الدراسة و الاهتمام النقدي و ايضا في الشعب التونسي عندما يجهل مبدعيه ..

يعتبرك البعض مكسبا أدبيا هاما للمبدعين التونسيين لأنك تسمحين لهم بمساحة مهمة في المشهد الاكاديمي الأمريكي، فهل ستواصلين الاهتمام بتدريس الأدب التونسي هناك ؟


في الحقيقة لا أجد مبرّرا لعدم اهتمام الأكاديميين التونسيين بالأدب التونسي و أذكر اني لم أجد تشجيعا عندما طرحت موضوعا لبحثي عن الأدب النسائي التونسي فقد قيل لي لا يوجد أدب نسائي، و لكن أنا مؤمنة بالأدب التونسي في مجمله و أجد فيه خصوصيات تميّزه ، فأنا أدرّس الأدب الحديث و لكن هذا الأدب لا ينفصل عن عمقه التاريخي و ثرائه الحضاري فتونس بلاد صغيرة جغرافيا، و لكن تتميّز بعمق تاريخي يتجاوز ثلاثة آلاف سنة من الحضارة، و هذا سينعكس بالضرورة على الشخصية التونسية، و على ابداعاتها المختلفة نفس الشيء بالنسبة للأدب المصري .. بالنسبة لي ان أهتم بالأدب التونسي و خاصة النسوي أشعر اني أكتشف مجال مبتكر و جديد و أستمتع بهذا كثيرا .

ظهرت بعد الثورة كتابات عديدة تقدم نفسها كأدب ثورة هل تعتقدي انه يمكن فعلا ان نتحدث عن أدب ثورة في تونس ام انه مجرد أدب استعجالي يمهّد لأدب الثورة ؟


الأدب هو شاهد على التاريخ و ما يهمّني في هذه المرحلة هو هذا الزخم الأدبي في حدّ ذاته فهو مطلوب خارج اطار التقييم النقدي ، يعني لي كثيرا ان يهتم الكتّاب بهذه اللحظة الحارقة التي تعيشها تونس و يهمّني جدا ان أرى كيف يتجاوبون مع الواقع و خاصة كيف تنظر المرأة التونسية لِمَ تعيشه البلاد من أحداث مهمّة و هذا في حدّ ذاته مكسب فصمت الكتّاب – ان حدث – هو الذي يزعجني أدبيا ، ثم ان التاريخ هو الذي ينصف الكتابة التي ظهرت في زخم الثورة و ينتصر للجيّد فيها .
نقديا نحتاج بعض الوقت لنفهم هذه الكتابات و نحكم عليها و لايزال مبكرا ان نقول عنه انه أدب ثورة و في المقابل لا اعتبره أدبا انفعاليا بل أعتبره ردّ فعل الكتّاب الذي يعبّر عن تفاجئ المجتمع التونسي بالثورة و ارهاصاتها، فالتونسي عاش فرح الانتفاضة و هو فرح يشبه الهستيريا و لكنه سرعان ما أحبط عندما رآها تنآى عن المطالب الأساسية التي انتفض لأجلها و خصوصا لِمَ أفرزه صندوق الانتخاب .. من هذا المنطلق انا اعتقد ان الكتابة جاءت كطريقة للخروج من حالة الاحباط فكأنها عملية علاجية تخرج المرء من حالة مرضية، و لذلك أجد الواقع التونسي يتغيّر كليّا، و كذلك الكاتب التونسي الذي أصبح حامل سياسي و ديني و أعتقد ان المرأة هي الأكثر استهدافا و بالتالي فان تفاعلها أعنف اجتماعيا و أدبيا و هذا ما يَسِمُ كتاباتها ببعض الخصوصية .

ظهرت في تونس تيارات دينية متشددة تفرض نفسها حرّاس قيم على المجتمع التونسي هل تعتقدين انها تمثّل خطرا على الثقافة التونسية، و هل يمكن فعلا ان تهدد المبدعين و الكتّاب التوانسة ؟؟


 ما يسوءني في تونس هو وجود أزمة نقد في تونس و رغم ازدواجية الثقافة لدى الأكاديميين التي تجمع بين ماهو مكتوب بالعربية و بالفرنسية و بامكانه أن يؤثر ايجابا في المدونة النقدية و نجد هذا بوضوح في المشهد الأدبي المغربي حيث النقد له مكانته الا انه في تونس للأسف لم توظف جيّدا هذه الثنائية اللغوية و الثقافية و يظل النقد شحيحا . و حتى عندما نتصفح المجلات الثقافية في تونس فاننا نلاحظ اما ضآلة المساحة النقدية أو غيابها وغياب التقاليد النقدية يؤثر سلبا و بشدة على المشهد الأدبي التونسي .

*  شاعرة وصحفية من تونس

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *