هل نحن فعلاً مجتمعات إسلامية؟!


*سمر المقرن

أكثر ما يثير استغرابي عندما تصلني شائعة بيّنة من شخص مؤمن أنها شائعة وكذبة لا تمت إلى الحقيقة بصلة، مع ذلك يساعد في نشرها!

التعامل الواعي في وأد أي شائعة هو أن تقف عندك ولا تساهم في نشرها، هذا بعد أن تكون الجهات المعنية حاضرة لإيضاحها مباشرة فور صدورها. مع هذا، فإن هذه الثورات المتلاحقة في أدوات وتطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي قد تجعل من الصعب على أي جهة أن تكون حاضرة طوال الوقت لنفي هذه الشائعات، فما عاد الوضع كما هو في السابق، أن تظهر عبر وسيلة إعلام محدودة الانتشار، ولا أدوات تُساهم في نشرها.
والشائعة لم تعد خبراً مفبركاً مجهول المصدر، بل صارت وسيلة تستخدمها جهات حكومية لجس نبض الشارع في قضية ما، ويستخدمها -بعضهم- لترويج أمنيات، وتُمارسها جهات سياسية لتمرير أجندات معينة تخدم هذا الحزب أو ذاك، أو حتى عبر جهات حقوقية أو -تدّعي- الحقوقية، وذلك أيضاً لتمرير أهداف لخدمتهم، فصار الوضع أكبر من ترويج شائعة تحتمل التصديق والتكذيب، إلى بث فيديوهات أو تصاريح في كذب بيّن وتشهير لجهات معينة وإساءة السمعة لها.
الغريب هو انتشار الشائعات بشكل كبير في المجتمعات العربية والإسلامية، مع أن تعاليم الدين وشيم العروبة لا تتوافق مع هذه الأخلاقيات الدونية، وهذا ما يجعلني أفكر دوماً في من يدّعي التدين ولا يمتثل للأوامر الإلهية الواضحة كما في قوله تعالى: «مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ».. والأغرب أن يجد هؤلاء وقد صار «بعضهم» رموزاً وقادة لإذكاء نار الفتنة -بعد أحداث الربيع العربي- مواقع تروّج لأكاذيبهم وشائعاتهم من خلال إبرازهم في وسائل الإعلام المهمة، بعد أن كانوا مغمورين لا أحد يعرفهم، أبرزتهم أدواتهم وكَثُر متابعوهم ومريدوهم، ويعتقد البعض أن هذا نوع من التعددية والحرية، أما وجهة نظري فهي بعيدة عن هذه الرؤية إلى الرأي الآخذ بعدم تشجيعهم على الكذب والافتراء، إذ إن هذا التكريم بطبيعة الحال سيشجعهم أكثر على الكذب وبث الشائعات، وهنا أرى أن الإعلام الذي يروج لهذه الفئة يشبه تماماً ذلك الشخص الذي يبعث رسالة عبر الإيميل إلى مجموعات بريدية أو عبر «الواتس أب»، وهو مؤمن ومدرك أنها شائعة، مع ذلك لم يتركها تتوقف عنده!
ما يلفت النظر هو انتشار الشائعة بسرعة البرق، بينما عندما يظهر نفي لها فهو لا يُلاقي ذاك الاهتمام ولا ذاك الرواج بين الناس، هذا الأمر مرده إلى الوعي، لكنه في واقعه يحتاج إلى تشخيص متخصصين في عمل بحوث ودراسات لمعرفة الدوافع التي تميل إلى الأول وتبتعد عن الثاني وكأن الناس لا تريد الحقيقة.
هذا الأمر حدث معي شخصياً عندما قام أحد المجرمين بسرقة حسابي في «تويتر» وكتابة كلام على لساني يسيء لي شخصياً ولوطني وأهلي، وقام الناس ووسائل الإعلام بنشره بسرعة هائلة وكأنه «بُشرى» وعندما ظهرت بنفسي ونفيت الخبر في قنوات وصحف لم يهتم الناس نفسهم لترويج أن ما قيل كذب وبهتان.. هذا وغيره يجعلني دائمة التساؤل: هل نحن فعلاً مجتمعات إسلامية؟!
________
* كاتبة وصحافية سعودية (العرب القطرية)

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *