جين أوستن على العملة


*أمير تاج السر


أعلن مصرف إنجلترا المركزي مؤخراً، أنه سيضع صورة المؤلفة الإنجليزية المعروفة جين أوستن على العملة البريطانية من فئة عشرة جنيهات، منهياً بذلك غياباً طويل الأجل لتمثيل المرأة على الأوراق النقدية. وقال المصرف في بيان له، إن صورة أوستن، مؤلفة «كبرياء وتحامل»، و«إيما»، إحدى أشهر الروايات في الأدب العالمي، ستحلّ محلّ صورة صاحب نظرية التطوُّر: تشارلز داروين التي ما تزال تحتل هذه الفئة، وذلك عام 2017، أي في الذكرى المئتين لرحيل الكاتبة. 
أعتقد أن مثل هذه الخطوة، ليست تكريماً كبيراً لجين أوستن وحدها، وإنما للأدب و الأدباء كافة، وللثقافة التي لم تعد تحتل مكانة كبيرة، ولا حتى حيزاً محدوداً في أذهان الناس، خاصة هذه الأيام، وما تشهده فعاليات مباريات كرة القدم مثلاً، في أي زمان ومكان، من هوس وجنون وتقليعات غريبة، فاقت كل حد، يدعم تلك النظرة المتداولة حالياً: أن الثقافة بكل ما قدمته، تنتقل نحو المتحفية، وقريباً جداً، لربما لا يعثر كاتب على قارئ يقرؤه، ولا شاعر، في أمسية شعرية، على مصفِّق يتكبَّد عناء ضرب يديه، بعضهما ببعض انبهاراً أو مجاملة. وقد قمت بزيارة لملعب «ساتيرو» في مدينة ميلانو، بدافع الفضول، ورأيت كيف يتحول ملعب عادي، إلى أسطورة تشد السياح وكاميراتهم، ومتحف ممتلئ بأزياء اللاعبين وصورهم، وتوقيعاتهم على الكرة.
لقد عرف عن العملات الخاصة بالدول، أنها غالباً ما تتبع نهجاً معروفاً، وهي أن توضع عليها صورة زعيم ساهم في تأسيس دولته، أو ارتقى بها، وبرفاهيتها، أو مناضل تاريخي، حصد مجداً، في زمن ما، ونادراً ما تضم ناشطين في مجالات أخرى، مثل الثقافة والأدب. ولقد أَشَدْت من قبل بالخطوة التي خطتها جنوب إفريقيا منذ عدة أعوام، حين وضعت صورة للكاتبة الشهيرة: نادين غورديمر، على عملة ذهبية لتلك الدولة، بالرغم من آرائها المثيرة للجدل. وقد حصلت غورديمر على جائزة نوبل في الآداب، و عرفت أيضاً بنضالها الطويل، ضد الفصل العنصري، ومناهضتها لنظام بريتوريا السابق، الذي جعل الحياة للبيض وحدهم، مغفلاً أبسط حقوق الإنسان. وذكرت أن ذلك يعتبر، بادرة جديدة لمصادقة الثقافة، لمدّ اليد لها، وردّ الاعتبار إليها، وتحويل أذهان الأجيال الجديدة، إلى محور مهم من محاور الحياة، بل ومن المحاور التي ترتكز عليها الحياة بشكل كبير. حين تكون لتلك العملات وجوهاً مغايرة، حتماً ستشد التساؤل عن تلك الشخصيات التي تحتلها.
الروائي خاصة، من بين متعاطي الثقافة، جدير بالاحتفاء به، بغضّ النظر عن آرائه الخاصة التي تفسد أحياناً نهج عمله الإبداعي، وشخصياً لا أحبذ أن ينخرط روائي في السياسة بشكل مباشر، أو يتخذها ركيزة، للشهرة غير الإبداعية. أقول إن الروائي يصوغ العالم كما يتصوره، وهو أقدر على ابتكار طرق جديدة في المعرفة، وتوجد أنواع من الروايات، خاصة رواية البحث والتحري، ساهمت في اكتشافات جديدة، لمعرفة جديدة، واستحق كتّابها الثناء، والقارئ لروايات جين أوستن، وغيرها من كتّاب ذلك العصر، يكتشف متعة فريدة، وهكذا كلما تقدّمت العصور، وتجدّدت أساليب الكتابة، أتى من يصوغ لنا العوالم، ويستحق التكريم في كل مكان.
________
*روائي من السودان /مجلة(الدوحة)

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *