وينامُ في قبرٍ أمَام الدَّار


* أحمد الشهاوي

(ثقافات) 

هلْ عُدْتَ من عيْنِ الدُّموع
هل شُفْتَ أُمَّك؟
هل مايزالُ القبرُ يكتُبُ سيرتَه
وهل الطَّريقُ إلى المقابرِ مَلأى بالحَصَى
هل مايزالُ التوتُ يطْرَحُ في السَّواقِي
هل هاجَمَتْ عينْاكَ قافلةٌ من النَّحلِ
هل جاءكَ الخبرُ اليقينُ بأنَّ قواتِ الهداهدِ لم تَف بوُعودِها
وقد استقالتْ من بلاطِ رَسُولها
هل كذًّبتكَ وكفَّرتكَ ذقونُهم؟
إذن اتكِىءْ
على سيْفٍ صَدِىء
ولاتُكْمِل هَذي القصيدةَ
كيْ لايقُولَ الشَّاهدُ المأْجُورُ
لم أر شيئًا
ولم أشْربْ دمًا
ولم نحفرْ لهُ بِئرًا
حتَّى لايقولَ النَّاسُ بأنَّه يُوسُف
وأنَّ قصيدةً قد أعْدَمتْهُ
وعرًّى رَصَاصُ الغيمِ أُسلُوبَ الرواية.
هل سَابَ اللُّصوصُ وَرَاءَهُم أثرًا
يدلُّ على حرْقِ قِمْصَانِ الصَّحَابة؟
هل كانت حُروفُكَ في الأواني كاملَة
أم أنَّ ياءَ الاسْمِ 
طارتْ في الهَواءِ كأرْمَلة؟
هل نادي القُضَاةِ دليلُ عدْلٍ
أم مُجَردُ شارعٍ ينسَى الأسَامي
في زِحامِ العاصِمَة؟
هل الجريمةُ كاملة
أم أنَّ طيْرًا في يديكَ لهُ نَظَر؟.
عُدْ إلى النَّهر
وامْنَحِ الأسْمَاكَ دَمَ الغَلابة
كيْ لايشْرَبَ الأسمنتُ
مادلَّتْ يداكَ على الحنين
وكيْ لاينبحَ الكلبُ في آذانِ من أتَى من صُلْبِه
أو كُنتَ تشتاقُ إلى الحَصَاد
هو مِنْجَلٌ في السَّماءِ الآنَ يحصدُ
لايفرِّقُ بين عُصْفُورٍ وشَّاعر
أوبينَ غِربانٍ وثَائِر
أو بينَ أحلامِ الجَرادِ وبينَ أحلامِ المنائر.
هل صِرْتَ وحْدَك؟
كأنَّ بيتكَ من زُجاجٍ
وقد رحَلَ الجميعُ إلى التِلال
بعدما انشغلوا بتجميعِ الغنائمِ في المناخِل.
الآنَ
اسْألِ العابرينَ إلى جِوارِك
كيف يرجعُ الغُربَاءُ ليحْمِلوا أكفانَهُم
إذ الجيوبُ خَاويةٌ من الأحلامِ والذكرى
وليس في المَدَى شجَرٌ يطْرحُ الحَسْرة
ولاحَجَرٌيحُجُّ الطَّيرُ إلى مِياهِ أنينه.
ليسَ في يديكَ اسْمٌ
ولا طُرُقٌ تَمْنَحُ العرَّافةَ الرُّؤية
ولا ظِلٌّ يخدَعُ القنَّاصَ والمُرشِد
ولا شَجرٌ يشْهدُ الندهَةَ الأُولى
ولا وَرَقٌ لتكتبَ نِصْفَ سَطْرٍ في الوصِيَّة
ولا جبلٌ لتعتصِمَ الحُرُوفُ من الغِوايةِ
ولاسَهْلٌ لتصْطَادَ الغَمَام
ولا مأوىً لتكسبَ في العُبُورِ رِهانَكَ الخَاسِر
ولا نَجْمٌ ليبدأَ السِّحرُ في فَكِّ العَمَل.
هل عُدْتَ وحدَكَ دُونَ اسمٍ
وهل يُمْنَاكَ بيضاءُ كالدَّم
وهل كانَ جَحْشُ المَاءِ ينْهَقُ
كلَّما مسَّتهُ حَشَائشُ الذِكْرى .
رأتكَ أُمُّكَ في شَريطٍ زائفٍ
لم يكُن فيهِ من الشُّموسِ سِواكَ
فقالت : هاهُو الأعمى
يفتحُ الأبوابَ
ويربطُ الفَرَسَ الأخِيرةَ
قُربَ صَخْرَتِهِ
وينامُ في قبرٍ أمَام الدَّار.
_____
القاهرة
19 من أغسطس 2013
___
* شاعر من مصر . 

شاهد أيضاً

طه درويش: أَتكونُ الكِتابَة فِردَوْسَاً مِنَ الأَوْهامْ؟!

(ثقافات) طه درويش: أَتكونُ الكِتابَة فِردَوْسَاً مِنَ الأَوْهامْ؟! إلى يحيى القيسي لَمْ نَلْتَقِ في “لندن”.. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *