يا الله


* حياة أبو فاضل

ونحن صغار علّمونا أنك في السماوات بلغات ثلاث عربية وانكليزية وفرنسية، وشملت التعاليم تقديساً لاسمك ودعوة لملكوتك ولمشيئتك، وأشياء اخرى ما كنا نفهمها. وشغلتني حكاية أنك الأب الذي في السماء فسألت أمي ذات ليلة قبل النوم: أهو أبي الثاني أنا وأختي غير البابا الذي معنا في البيت؟ فأكدت لي أمي الخبر السعيد وأضافت أنك أبو الجميع أيضاً، وتحب الجميع. وخلتك مالىء السماء وكنت واثقة من أن في بيتك خزانة بلا حدود لألعاب الصغار.

وكبرت ورفاقي في مدرسة جمعتنا من كل الأوطان العربية والاديان، وما شعرنا يوماً أن ما يجمعنا يختلف بين هذا وذاك وتلك. وما كنا نعرف أن للصبيان امتيازات لا تشمل البنات. وكبرنا بعد، وبدأنا نسمع أن الرجل رأس المرأة وصاحب القرار، وفي مكان آخر سمعنا أن للرجل المفتوح الشهية باستمرار حقوقاً مضمونة في ما يطيب له من النساء، وعرفنا أن جذور كل هذا الاجحاف بحقوق النساء تتغذى من “يهودية” أكل الدهر عليها وشرب وانقرض. فالمرأة والرجل متساويان تماماً بما أخذاه من طاقة الخالق كي تستمر الحياة ويستمر تفتح الوعي البشري في رحلة تطور فهم لمغزى الوجود.
وكبرت أكثر، وقرأت هنا وهناك قاصدة المصدر وصعقني التناقض هنا وهناك، فخلعت عني الطقوس وتحررت ثم قرعت باب المعرفة في الشرق الأقصى، ومن هناك عرفت انك كما أنت في السماء، كذلك أنت في القلب، داخل كل قلب، وأنك في الزهرة، وفي قطرة الماء، وفي ضوء القمر، وفي نور الشمس. وكم أقنعني تمظهرك في كل شيء، فالكل من طاقتك العظيمة. ثم تأكدت من “نسبية” الخير والشر وكل الثنائيات التي تعكس فهم البشر لمظاهر وجود يتغيّر مع مرور ألفيّات يتم أثناءها تطور العقل البشري، فتتطور المجتمعات ويتطور العلم وتنشأ التكنولوجيا. وها الانسان يغزو الفضاء ومركباته تبلغ فضاءات كواكب مجرتنا الرائعة. وها هو يختصر عملية “التواصل” البشري داخل هاتف محمول يفتح على كل مساحات الوجود… إلا صفحات الأديان المؤسساتية، فقد ظلت عاصية على مسيرة فهم متطور للعلاقة بين المخلوق والخالق، تزدحم صفحاتها بالترهيب والترغيب والتهديد، وبوصف دقيق لنار جهنم وعذابها الأبدي، ولجمر المطهر ووادي الدموع ولجوائز الجنة في ما ندر. وما عاد مستغرباً أنها خلقت أهل “إرشاد” روحي ساهموا ويساهمون في بث سموم الإرهاب والحروب.
يا الله، ألن تتدخل في شرق أوسطنا المشتعل داخل حروب مذهبية حيث الكل يجاهد في سبيلك “أنت” كما يقولون؟ ونحن ما بنينا مجتمعات مدنية موحدة بعد، ولا فصلنا الأديان عن بناء الدول. ورغم زحمة المذاهب المتقاتلة، ورغم الالتزام بممارسة كل الواجبات الدينية، لا نزال نقاتل ولا نعرف لا رحمة ولا شفقة وندمّر الأوطان. ما عرفناك من قرب بعد وأنت أقرب إلينا من حبل الوريد. يا ساكن قلوبنا، نخاطبك متى نشتاق، ونذوب عشقاً كلما جلسنا إلى سكونك وإلى حنانك العظيم، ألن تتدخل لنفتح صفحة وعي جديد في شرقنا النازف؟ وهل لخزانة الألعاب في بيتك مفتاح، أم أنها مشرّعة أمام الجميع؟
_________
* شاعرة وكاتبة من لبنان(النهار) 

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *