إلى الشمس


*آسيا جبار/ ترجمة: أحمد عثمان

حررت النهار

من قفصه الزمردي
مثل نبع جار
انساب بين أصابعي .
***
حررت الليل
من قبر البحر
كمعطف مطر
سقط علي .
***
حررت السماء
من فراشها الأرجواني
في وميض الكبرياء
حلقت عاليا .
***
قذفت الشمس
على مشهد العالم
كان الظل قويا
حتى أصبح خارجا على القانون .
(1956)
الرجل الذي يمشي
الرجل الذي يمشي
تارة في الليل وتارة أخرى في النور .
في نور الألعاب النارية
كشافات النور
الكلمات
وفي الليل
في الليل العصيب .
على الضفاف، الآخرون
محرومون من العتمات
أبرياء من كل جريمة إلا الحنان .
ينظرون .
أنهم مشاهدو الرحلة
هل ارتعبوا من الغرق
ليس التيار في عرض النهر
الرماد في قلوبهم الثائرة،
خلف الرجل الذي يمشي .
الرجل الذي يمشي
ذاكرته مضطرمة
يقال له إن عليه تعلم
الكلام الاعتراض المقاومة
يقال له إن الحرية
تتغذى
أيضاً على الدعاية
صورة ملتقطة جيدا، صورة معبرة جيداً
تكسب قلوب ومشاعر
الرقيقين، الناعمين واللا مبالين
السعداء الذين ينامون
امرأة الجلاد .
وآخرون
يفسرون له الأغنية
كي يكسب وقتاً
من العرق ومن الدم
لسنا في زمن البرابرة
من دون غنائية
من دون تاريخ .
الرجل الذي يمشي
في أثره الشاعر
يقفز حجلا .
ظل الموت، ظل الساطور
ظل الظل
الحقيقة .
II 
لم أقل شيئا للرجل
ليس لدي ما أقوله
فقط أنا تعب، أنا تعب ومبهوت
لماذا أعلنها .
يخرس النخيل رغم الريح، البحر ينسحب، الصحراء تنساب
والذهب، أي ذهب على الشمس
أؤكد لكم ليس لدي ما أقوله
النور والفنارات تعمي بصري
أنا في حاجة إلى الرجل، أنا في حاجة إلى الانتحار
أنا في حاجة إلى أن أبصق رئتي اللتين تؤلماني
أنا تعب، أنا تعب، قال الرجل، لا أريد أن أقولها
الطريق شاقة . . المنحدر شاق
ليس لدي قلب يغني
أنا عنيد، ليس لدي ما أقوله
عن المستقبل .
III 
الصمت، لدينا، لا يتماشى مع الصرعة
أنه حيوان نلاحقه
الصمت، يا للبراءة،
لن يحرر شيئا من هواك
اذا رفضت سرابنا
اذا سخرت من نظراتنا
لا نستطيع الاحتفاء بالشهيد
النظرة البسيطة لخرقاتك
تمنع أي احتفال
ومع ذلك من اللازم أن تتابع في نهاية الحفل
انتصار الترحيب .
تجنبت وأهملت كثيرا الانتصار
تجنبت كثيرا المرايا
اذا أردت أن تنفث، أن تتوقف، أن تجد نفسك،
اذا لم ترد أن تفر إلى الغابة
اذا أردت أن تنام
اذا أردت أن تنسى
اذا أردت أن تحيا
يجب أن تنسى كل شئ
أن تراهن على لغتنا
أن تكون المحتفى به، المتمرد أو أن تتوج ملكا
أو أن تشق طريقك إلى الحلبة علانية، ولم لا
قبعة مزينة بالريش، مجد وموت البطل
أنها لدينا إكليل غار الكلمات
كنوز الرمل
الأسلحة
التي نمنحها إلى ندمنا، والى أشباهنا .
للبرابرة، من دون شك، ماض دموي وحيد
لاحتواء الجماعات وقهر الشياطين
مسوخ ذاكرتنا وأساطيرنا
أناشيد مجدنا وهويتنا
نحن
نستسلم لحذف
مفرداتنا
الرجل الذي يمشي يواصل المشي
من دون خيانة من دون توقف .
(1959)
________________
* آسيا جبار، الاسم الأدبي لفاطمة زهراء املاين . ولدت في 30 يونيو 1936 في مدينة شرشال الجزائرية، غربي العاصمة . كاتبة جزائرية تكتب بالفرنسية، مؤلفة العديد من الأعمال الروائية، القصصية الشعرية ولها مجموعة من الأبحاث . كتبت أيضاً للمسرح وحققت أكثر من فيلم . تدور أعمالها حول تحرر المرأة، والتاريخ . الجزائر التي ينظر البعض إليها عبر العنف ولغاتها .
تعتبر آسيا جبار من أهم الكتّاب ذوي الأصول المغاربية المؤثرين والمشهورين . في عام 2005 تم انتخابها عضواً في الأكاديمية الفرنسية .
تقول: “أكتب مثل كثير من الكاتبات الجزائريات بروح متأججة ضد الرجعية وعداوة المرأة” . ولدت آسيا لعائلة تقليدية ميسورة إلى حد ما . والدها طاهر املاين معلم، تخرج في مدرسة المعلمين الإسلامية العليا: “رجل يؤمن بالحداثة والانفتاح والحرية” . والدتها، بهية صحراوي تنتمي إلى إحدى قبائل بركان . درست في الكتاب القرآني ثم في مدرسة تابعة للارسالية الفرنسية في مدينة البليدة وسط الجزائر، حتى حازت منها شهادة البكالوريا في عام 1953 . ثم تابعت دراستها في المدرسة العليا للمعلمين، وتخصصت في التاريخ . شغفت بالقراءة منذ صغرها، وسرعان ما أصبحت القراءة تمثل لها “الملاذ اللغوي” . وتقول: “القراءة والكتابة بتلك اللغة (الفرنسية) خلال أعوام الخمسينات كانت أيضاً وسيلة بالنسبة للنساء الجزائريات بأن يكن أحراراً وبأن ينلن العلم والمعرفة وبأن يخرجن من دائرة النساء الحصرية” . وعن الكتابة تقول: “أكتب ضدّ الموت، أكتب ضدّ النسيان . أكتب على أمل أن أترك أثراً ما، ظلاً، نقشاً في الرمال المتحرّكة، في الرماد الذي يطير وفي الصحراء التي تصعد . . .” .
بدءاً من عام ،1956 لم تدخل آسيا جبار إلى لجان الاختبار، بسبب إضراب الطلبة الجزائريين . وفي عام ،1957 أصدرت أولى رواياتها “العطش” . وبعد عامين، سافرت إلى المغرب وقامت بتدريس تاريخ المغرب الحديث والمعاصر في كلية الآداب في الرباط . في أول يوليو ،1962 رجعت إلى الجزائر، لتعمل كأستاذة للتاريخ والفلسفة باللغة العربية في جامعة الجزائر، على الرغم من كونها معارضة لعمليات التعريب التي رسخها هواري بومدين منذ توليه حكم الجزائر منتصف الستينات . ومن عام 1966 إلى عام ،1975 راحت تتنقل بين فرنسا والجزائر .
من عام 1995 إلى عام ،2001 عملت مديرة لمركز الدراسات الفرنسية والفرنكفونية في لويزيانا في الولايات المتحدة الأمريكية .
في عام ،1999 انتخبت عضواً في الأكاديمية الملكية للغة والأدب الفرنسيين في بلجيكا .
منذ عام ،2001 تدرس الأدب الفرنسي والفرنكفوني في جامعة نيويورك .
من كتبها: “الذين نفد صبرهم” ،1958 و”أطفال العالم الجديد” ،1962 “الحب والهوى” ،1985 “بعيداً عن المدينة” ،1991 “نساء الجزائر في مسكنهن” ،1992 “الجزائر البيضاء” ،1995 “وهران، لغة ميتة” ،1997 “تلك الأصوات التي تحاصرني” ،1999 “اختفاء اللغة الفرنسية” ،2003 “لا مكان لي في منزل أبي” 2007 .
من أفلامها: “نوبة نساء جبل شنوة” ،1977 و”زردة أو أغاني النسيان” 1982 .
*ملحق الخليج

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *