أعياد للكتاب..أعياد للحياة


* لطيفة الدليمي

من معرض الكتاب الدولي الثامن الذي حضرته في أربيل أكرر اقتراحي لمؤسسة المدى أن تبادر ذات سلام يعم عاصمتنا وبلادنا أن تقيم نشاطا سنويا ندعوه ( عيد القراءة والكتاب)ونختار له يوما كأن يكون ( عيد رأس السنة البابلية ونوروز )الذي تحتفل به مكونات رافدينية عديدة منذ آلاف السنين وتقيم بغداد مهرجانها الخاص أسوة بمهرجانات ( القراء والكتّاب) العالمية التي يسهم الروائيون وكتاب الأجناس الأدبية الأخرى ( قصة – مسرح – روايات مصورة) بالقراءات بحضور أعداد كبيرة من القراء الذين يودون إجراء الحوارات مع كتابهم المفضلين، ويقرأ الكتّاب فصولا من كتبهم و رواياتهم أمام المشاهدين ، ثم تجري النقاشات وجها لوجه مع القراء.

وتعقد مهرجانات القراءة التي يحضرها كتاب من اختصاصات شتى بعيدا عن أجواء معارض الكتب والتسويق إذ يكون هدفها الأساس إيجاد تواصل مباشر بين الكتاب وقرائهم لتبادل خبرات فن الكتابة وأسرارها والتي يقدمها أساطين الرواية والكتاب الآخرون ،كما يجري تبادل مهارات القراءة ويتعرف القراء والكتّاب معا على رؤى وأفكار جديدة عن التسهيلات الالكترونية .
وهناك تجربة بديعة قد تفيدنا في تأسيس هذا النشاط هي ( عيد الكتاب ) في أسبانيا 
ففي قلب مدريد مقهى شهير واسع يؤمّه المثقفون والفنانون، صحبني إليه خلال زيارتي لأسبانيا الصديق العزيز الروائي محسن الرملي خلال جولة أطلعني خلالها على أهم معالم العاصمة الاسبانية ومراكزها الثقافية ومقاهيها الشهيرة و مقهى الأدباء والفنانين هذا بهندسته الداخلية الباهرة والتحف الفنية التي تزيّن فضاءاته تماثيل ولوحات لمشاهير الفنانين الأسبان وتضيئه ثريات هائلة من الكريستال، وتقدّم القهوة فيه نادلات جميلات وندل مهذبون، ويجلس في أركانه شعراء وكتّاب وفنانون بغرابة أزيائهم، وشعورهم المسترسلة، منغمسون في حوارات أو منشغلون بالكتابة أو مجادلون وكلاء نشر أو منصرفون عن هذا كله إلى مغازلة عابرة أو محاورة سيدة جميلة .
من هذا المقهى تنطلق فعاليات عيد القراءة كل عام في يوم 23 نيسان يوم ميلاد كاتب أسبانيا الأشهر (سرفانتس) مبدع رواية ( دون كيخوته) فيحضر أشهر أدباء وشعراء وفناني أسبانيا ويزدحم المكان بعشّاق القراءة ويشرع أحد الكتاب الكبار بقراءة صفحات من «دون كيخوتة» بأداء مؤثر والجميع منصتون باستمتاع الى الرواية ثم يكمل القراءة فنان شهير وشاعر أو ممثل كل منهم يقرأ فصلاً حتى يشارك في القراءة أطفال وشابات وعمال ومغنون شعبيون وراقصات فلامنكو ومطربون كبار وربات بيوت يعشقن دون كيخوتة وطلاب مدارس وأناس عابرون تستهويهم قراءة صفحات من الرواية دون كيخوتة، تقرأ بائعة الزهور والنادلات والشرطة والجنود، ويتغيّر الجمهور ويتغيّر القرّاء في هذا المقهى والميدان المجاور، لكن القراءة تتواصل وقد يستمر الاحتفال ستاً وثلاثين ساعة وأحيانا ثماني وأربعين ساعة حتى تنتهي الرواية بجزأيها، وتباع مئات الآلاف من نسخها في كل مكان وهكذا تتكرر قراءة الرواية كل عام لتتعرف إليها أجيال جديدة من القراء.
وتقام معارض هامشية للكتاب في القاعات والساحات العامة، مثلما تعرض في حافلات المترو مقاطع من الإصدارات الجديدة باتفاق تجاري مع دور النشر الكبرى التي تسهم بتمويل شبكات النقل.
يوم سنوي نكرسه عيدا للقراءة والكتاب لنحرض الأجيال الجديدة على القراءة واقتناء الكتب ونقيم مسابقات و جوائز ويقرأ الناس ( ملحمة كلكامش ) و( قصيدة الخليقة) و ( مقامات الحريري ) و ( ألف ليلة وليلة) و( طوق الحمامة ) و( كليلة ودمنة ) كما يخصص يوم كامل ليقرأ كبار الأدباء مقاطع من أعمال عراقية معاصرة .
__________
* أديبة وروائية عراقية 
(المدى)

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *