أيام في البحرين

( ثقافات )

أيام في البحرين

يحيى يخلف *

يقع أرخبيل الجزر التي تشكل دولة البحرين في موقع فريد وساحر وسط مياه الخليج العربي، ويتبوأ مشهدا حضاريا, وإطلالة على ما أبدعه الإنسان على تلك الأرض من عمائر، ومبان، وقلاع، وحدائق، وأسواق، وحكايا وأساطير، وما مثّله البحرلإنسانها من عناصر الحياة في الصيد، والغوص عميقا لجمع اللؤلؤ والتواصل مع محيطه للتجارة والمغامرة الجسورة والتفاعل، وجمع المعرفة والحكمة. 

مملكة البحرين..هذا البلد العربي الذي تزمجر حوله أمواج البحر منذ الأزل، يزهو بواحدة من أعرق الحضارات في التاريخ هي حضارة (الدلمون) التي عمرت هذه البلاد وبقيت آثارها تدل عليها من خلال المعمار والمدافن، واللقى من ذهب وبرونز وألواح تدوين وأوان وقوارير عطور، مؤكدة عبقرية المكان والإنسان.

كنت هناك الأسبوع الفائت ضيفا على المركز الإقليمي للجنة التراث العالمي التابع لمنظمة اليونسكو للمشاركة في ندوة عن التراث الفلسطيني والاحتفاء بكتاب عن مدينة بيت لحم ألّفه القس التلحمي د. متري الراهب.

مبنى المركز تحفة فنية، مبنى يجمع بين التراث والمعاصرة، ومكان لنشر وتعميم المعرفة بالتراث المادي وغير المادي، والعناية بالتراث الإنساني المشول برعاية اليونسكو. كان الاحتفال الذي شاركت به مع القس الراهب، والذي أداره الصحفي أسامة العيسة، وقدّم له المدير المساعد للمركز الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة، كان حدثا ثقافيا بامتياز نظرا للأجواء الحميمة التي أحاطتنا بها وزارة الثقافة البحرينية والوزيرة المميزة رئيس مجلس إدارة المركز الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، ونظرا للحضور المميز من مثقفين وشخصيات اجتماعية، وسفراء عرب وأجانب وفي مقدمتهم سفير دولة فلسطين الصديق خالد عارف الذي نسّق هذا الحدث وتعاون مع المركز في اطار نشاطات فلسطينية كثيرة تعزز العلاقة الأخوية ما بين الشعبين.

سعدنا بتلك الأمسية الراقية، وسعدنا بالالتقاء بشخصيات بحرينية وعربية وفلسطينية مهمة من بينها على سبيل المثال لا الحصر الصحافي الكبير جهاد الخازن، وعالم الاجتماع الطاهر لبيب, كما أحاطنا ابناء الجالية الفلسطينية الذين حضروا تلك الأمسية بالاهتمام والمحبة ومن بينهم أختنا الرائعة د.نائلة الوعري، وصديقنا رجل الأعمال أسامة شهاب الدين ورامي رشيد ود.جمال كنج والملحق الإعلامي، المسؤول الثقافي نظمي العرقان، أمضينا معهم سهرة لا تنسى بعد انتهاء الندوة.

كانت زيارتنا لهذا البلد الأمين ناجحة..كل ما شاهدناه ولمسناه وسمعنا عنه يبعث على الإعجاب ويغري بالتأمّل: الجديد والقديم، الشوارع الواسعة والأسواق الضيقة، الكورنيش المحاذي للشاطئ، والأشجار والزهور التي تجمّل المحيط، الجسر الذي يريط السعودية بالبحرين، القلعة القديمة، التلال والمدافن التاريخية، والبلدة القديمة بمبانيها المرممة، والمدينة الجديدة والمتجددة. التحف في واجهات المحلات الأنيقة، والعطور في قواريرها، وكذلك التحف واللقى من ذهب وبرونز في المتاحف. اللؤلؤ المكنون في أعماق البحر، واللؤلؤ المنظوم في عقود والذي يزيّن أعناق النساء.

المنامة كانت في عام مضى عاصمة للثقافة العربية، والمنامة اليوم عاصمة للسياحة العربية, ومما امتعنا في هذه الزيارة حضورنا أيضا حفل الافتتاح للمنامة كعاصمة للسياحة العربية، حيث رافق الافتتاح الذي رعته الوزيرة الشيخة مي، حفلا فنيا رائعا ومدهشا لفرقة اوركسترا صاحبت المغنية اللبنانية هبة قوّاس التي تحظى بشهرة عالمية فأمتعتنا بلون جديد من الغناء الذي يجمع أصالة الشرق وحداثة الغرب. 

كانت زيارتنا لذلك البلد العربي فرصة للتعرف على طيبة وقوة وعظمة الإنسان, وشموخ وعبقرية ذلك المكان.

 

* روائي من فلسطين ووزير الثقافة السابق

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *