طاولة مستديرة حول المشهد التشكيلي العُماني


*آية الخوالدة

أقامت رابطة الفنانين التشكيليين ضمن الأيام الثقافية العُمانية التي تقام خلال هذا الأسبوع, طاولة مستديرة حول “المشهد التشكيلي العُماني” ظهر أمس بمشاركة الفنانين: سعيد الرويضي، فخرا تاج الإسماعيلي، محمد الزدجالي، مريم العمري، د.منى البيتي, وأدارها رئيس الرابطة غازي انعيم, الذي استهل الحديث عن نشوء الحركة التشكيلية العُمانية التي بدأت متأخرة, في منتصف السبعينات, بصحبة الفنان موسى المسافر الذي أقام أول معرض فني في تاريخ عُمان, ومن ثم جاءت الانطلاقة الرئيسية من خلال مرسم الشباب عام 1980, بينما تعود الانطلاقة الفعلية إلى تأسيس الجمعية العُمانية للفنون التشكيلية عام 1993, إذ بدأت الحركة التشكيلية هناك تتحرك بشكل كبير في الأربع سنوات الأخيرة, من خلال المشاركة في الملتقيات ورعاية الشباب في المعارض الداخلية والخارجية, عبر الجمعية التي كانت سببا في التنافس بين الفنانين وجوائزها التقديرية العالية, الى جانب الدعم المُقدم من الحكومة والسلطان قابوس. 

حول سبب تأخر انطلاقة الحركة التشكيلية العُمانية على الرغم من انفتاحها على العديد من الدول ووقوعها على طريق الحرير, عزتها د.منى البيتي, وهي حاصلة على الدكتوراة في الفنون من كلية الدراسات العليا للفنون التشكيلية وعلوم الجمال وعلوم الفن من جامعة باريس, إلى عدم امتلاك دولة عُمان تاريخا فنيا, مثل أوروبا أو بلاد الشام التي مرت عليها الحضارة اليونانية والرومانية وغيرها, بل انشغلت بالحرف التقليدية والخزف والخناجر, ولا يوجد هنالك أية دراسات حول تأخيرها. 
بينما بين خليفة البلوشي, ممثل الجمعية العُمانية للفنون التشكيلية, انه قبل عام 1975 كانت البلد ترزح تحت أثار الحرب العالمية الثانية, حيث كان هنالك شبه انغلاق تام وحظر السفر على الكثير من الأشخاص, إلى جانب الأسباب الدينية التي كانت سببا في الابتعاد عن الفنون جميعها, بينما الجناح الإفريقي في سلطنة عُمان “زنجبار” كان منتعشا أكثر, بوجود الصحف والمجلات, فكان أول من مارس الفن آنذاك بدأ مسيرته في البحرين, مثل رشيد عبد الرحمن البلوشي, رابحة محمود, وعبد الله الريامي. 
أما العوامل التي ساعدت الحركة التشكيلية العُمانية على التطور والنمو, فكانت حسب مريم العمري, وهي عضو الجمعية العُمانية للفنون التشكيلية, دعم الحكومة والسلطان قابوس, من خلال الاهتمام بالجانب الشبابي في الحركات الثقافية وتبادل الخبرات والثقافات للنهوض بهذه الحركة. بينما أشارت د.منى البيتي إلى الجهود الفردية ومن ثم وجود المرسم. 
وفي مجرى الحديث الذي دار بين الفنانين, تمت الإشارة إلى نقطة مهمة تدور حول ضعف القاعدة الجماهيرية الفنية في السلطنة, إذ لا وجود لجمهور متابع للفن هناك, ورعاة الفن يتمركزون في الأغلب في العاصمة مسقط, كما أن الثقافة الفنية ليست متاحة في جميع المدارس. وتبين مريم العمري:” أدرجت مادة التربية الفنية هذا العام فقط في المناهج الدراسية, والطلاب لا يعيرونها أي اهتمام, كونها لا تعتبر مادة رئيسية, كما أنها محتكرة لنوع معين من الفنون البسيطة, التي لا تنمي أية مواهب عند الطفل. والسبب وراء هذا – بحسب الفنانين – ثقافة الأسرة والمجتمع. 
وفي حديث الفنان محمد الزدجالي, عضو الجمعية العُمانية وحاصل على العديد من الجوائز, حول الهوية والخصوصية التي يمتلكها الفن التشكيلي العُماني, يرى بأنها تعود جميعها إلى التراثيات والخزف, وكثير من الفنانين يتعاملون مع التراث العُماني كما يتعامل معه المستشرقين, كما أن منهم من تأثر بالمدارس الأوروبية أو الفنانين الخليجيين, واستنسخوا أعمالهم, ويشار أيضا أن عدد الفنانين الحاصلين على الشهادات الأكاديمية في الفنون قليلين جدا. والدراسة الأكاديمية برأي د.منى البيتي, مهمة للوصول إلى العمق وفلسفة الفن, فهو حياة تتبلور وتصبح فنا راقيا, يعكس التجربة الحياتية, وللأسف لا يوجد هنالك خط واضح يستند إليه الفنان العُماني في أعماله, إذ بعضهم يستخدم الأدوات من دون معرفة ماهيتها. وأضافت البيتي:” عُمان غنية بتراثها وإمكاناتها المادية وطبيعتها, وتستطيع أن تدعم الفنان بشكل كبير, لكنهم يضعون أنفسهم داخل حواجز, الفنان الحقيقي يحتاج إلى الثقة بالنفس وامتلاك القدرة على إيصال رسالته سواء أكانت سياسية, اقتصادية أم اجتماعية. فيما تظن مريم العمري أن الفنان العُماني ما زال متخبط فنيا في البحث عن الخصوصية, فالكثير منهم ما زال يرسم التجريد, ومنهم ما زال يقف عن “الحرام والحلال” في رسم الوجوه والشخصيات وغيره. 
التيارات الفنية ومدى انعكاسها على الفن التشكيلي العُماني, كان محور حديث الفنانة فخرا الاسماعيلي, عضو الجمعية العُمانية وحاصلة على العديد من الجوائز, حيث لفتت الانتباه إلى أهمية اطلاع الحركة التشكيلية العُمانية على التيارات الفنية كافة من اجل تطورها وتقدمها وإثراء حركتها, ومن هذه التيارات “الفيديو آرت” الذي قدم به الفنان التشكيلي المصري إبراهيم خطاب. 
والمتتبع للحركة الفنية التشكيلية يلاحظ غياب النحت والجرافيك, حول هذا يبين خليفة البلوشي, أن الأدوات غير متوفرة والدراسة أيضا, إلا انه ومن جديد بدأ التدريس فيه في جامعة السلطان قابوس, وكلية الزهراء, وكلية التصميم, بوجود معامل للخشب والحديد والأفران, بهدف إيجاد جيل جديد من النحاتين وفنانين الجرافيك. كما انه وللأسف الشديد, 90% من طلبة الفنون انتسبوا إلى هذا التخصص, بسبب معدلهم المنخفض في الثانوية العامة, وبالتالي اغلبهم أصبحوا معلمين للتربية الفنية, لذلك لا نجد الرغبة والموهبة إلا نادرا. 
أما عن النقد الفني في عُمان, فالأسماء قليلة, كما أوضحت فخرا الاسماعيلي, فهم حسين عبيد وعبد الرزاق الربيعي, فخرية اليحائية, ود. سالم محمد, ومنهم من توقف عن الكتابة, بسبب المشاكل التي واجهها عند نقده للأعمال الفنية أو المعارض. 
يذكر أن المعرض الفني التشكيلي الذي يقام في رابطة الفنانين التشكيليين, يضم أعمال ستة فنانين عُمانيين إلى جانب الفنانين الذين شاركوا في الطاولة المستديرة, وهم إدريس الهوتي، أسماء آل كليب، زهرة الجمالي، عبد الكريم الميمني، عدنان الميمني، نادية البلوشي, قدموا جميعهم 27 لوحة عكست المدارس التشكيلية العُمانية المختلفة، والمدارس الفنية، والأجيال المختلفة، التي تكشف ثراء المشهد التشكيلي العُماني المعاصر، وتعدُّد أشكال التعبير الفني التي أصبح لها مفرداتها الخاصة، وملامحها، وخصوصيتها. 
حملت لوحتا الفنان عبد الكريم الميمني عنوان “بذور السلام 1 و2″، التشكيلي سعيد الرويضي “تجريد 1و2″، إدريس الهوتي “ظلال 1 و2″، فخر تاج الإسماعيلي حملت عنوان “الرقص مع الأفعى 1 و2” و”ولاء 1و2″، محمد عبد الكريم الزدجالي “تكوين 1و2” و”تجريد1و2 و3″، د.منى البيتي نقلت جزء من معرضها “أرض الخيال” عبر 20 لوحة صغيرة، وجسدت التشكيلية نادية البلوشي في لوحتيها “بيوت عُمانية”، زهرة الجمالي “بقعة ضوء 1و2″، وجاءت أعمال التشكيلية أسماء آل كليب مستلهمة من البادية والسدو، وجاءت لوحتا التشكيلية مريم العمري بعنوان “البحث عن أشياء 1و2” مستخدمة الخيوط المتشابكة مع الرسوم في مزج بين العمارة والتراث والتواصل بين الناس والمكان، فيما جسدت لوحتا عدنان الميمني «الزوايا المؤلمة 1و2» معاناة البشر, كما يذكر أن الجمعية العمانية للفنون التشكيلية تأسست في عام 1993 بمسقط وتقوم الجمعية من خلال الأهداف المنوطة إليها بتفعيل الحركة التشكيلية العمانية والارتقاء بها وإبراز المستوى الحقيقي للفنانين التشكيليين والمصورين الضوئيين.
_______
*(العرب اليوم)

شاهد أيضاً

العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية

(ثقافات) “طربوش أبو عزمي العلي”:   العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية زياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *