المزايدات على اتفاقية سيداو!


* سمر المقرن

بحكم اهتمامي ومتابعتي لِما يدور محليًا، حول اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) والتي وقعت عليها المملكة مذ العام 2000م، لذا فإن ردة فعلي لا تتجاوز “الضحك” و”السخرية” من بعض العناصر التي ترفض هذه الاتفاقية جملة وتفصيلًا، وخصوصًا النساء من بينهم اللاتي يعشقن أن يبقين على ما هن عليه. لذا لم أفكر يومًا بردود الأفعال التي لا تفهم معنى هذه الاتفاقية، ولا معنى التوقيع عليها. والمضحك أكثر، اعتقادهم -الضيّق- بأن المرأة السعودية هي المقصودة بهذه الاتفاقية، وكأن الأمم المتحدة وخبراء اللجنة الدوليين لا ينامون الليل من شدة هاجسهم بهذه المرأة وطرق إخراجها من سطوة وسيطرة الرجل. لذا لا أزيد عندما أرى هؤلاء عن قول: (الحمد لله والشكر لك يا رب!) 

بينما عندما تصل ردود الأفعال إلى صاحب القرار، وترد عليهم وزارة الخارجية “بكبرها” في تصريح مطمئن لهم، فهنا لا بد من أن يكون الحديث بشكل علمي ومنطقي. إذ قرأت في أحد الصحف المحلية عنوانًا مستفزًا يقول: “اتفاقية سيداو غير ملزمة”، وبعد أن قرأت هذا التصريح الصادر عن رئيس الإدارة الإعلامية بوزارة الخارجية السفير أسامة نقلي، لم أجد لا من قريب ولا من بعيد أي إشارة لهذه الجملة، وهنا أعود لمقالات قديمة حذرت فيها من عدم استيعاب بعض الزملاء لمفهوم الاتفاقيات الدولية ما يجعلهم لا يدركون حجم الخطأ عند كتابة كلمة أو جملة غير صحيحة، لأن جملة “غير ملزمة”، تعني بالعامية “ترانا وقعنا على اتفاقيتكم ولعبنا عليكم!” وهذا فيه إساءة بالغة للمملكة، كما أن المواضيع الصحافية الخاصة بمثل هذه الأخبار من الضروري أن يكون المحرر متخصصا بهذه الأخبار، وهذه دعوة مني أطالب فيها كافة الصحف ووسائل الإعلام، أن تقوم بابتعاث محررين متخصصين في أخبار الأمم المتحدة، للدراسة النظرية في المعاهد، والميدانية في أروقة الأمم المتحدة، حتى عندما يتناول أحدهم مثل هذه المواضيع يكون مدركًا لكل جوانبها! 
إذ إن قبول أي دولة بأي اتفاقية كانت وتوقيعها عليها، يعني التزامها التام بما ورد فيها من بنود، ولكل دولة الحق في التحفظ على أي مادة من المواد شريطة توضيح سبب التحفظ، وللمعلومية فإن المملكة لم تتحفظ إلا على الفقرة المتعلقة بحق حصول الأطفال على جنسية الأم، كما تحفظت على الفقرة الخاصة بإحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية. أما عدا ذلك فالمملكة كغيرها من الدول ملتزمة بهذه الاتفاقية من خلال العمل على بث البرامج التوعوية، وتجديد أنظمة المؤسسات بما يتوافق مع بنود الاتفاقية، وهذا فعلًا ما يحدث وما نراه على أرض الواقع بدرجات حِراك مختلفة. 
أيضًا يتضح التزام الدول بالاتفاقيات الدولية، من خلال مناقشة تقارير هذه الدول أمام اللجان المتخصصة، فمثلًا الدول الموقعة على اتفاقية (سيداو) تسافر إلى جنيف كل أربع سنوات، وتعرض تقريرًا مفصلًا عن كل ما يتعلق بالأنظمة المحلية والتطورات الحاصلة في حقوق النساء، وهذا ما التزمت به السعودية، التي عرضت أكثر من مرة تقاريرها أمام خبراء اللجنة وأجابت على أسئلتهم. لذا فإن هذا الموضوع لا أعتقد أنه يحتمل أي مزايدات، كما أن إرضاء المتشددين غاية لا و (لن) تُدرك، لذا علينا أن نسير كما نحن بهذا الاتجاه الصحيح، ولا نلتفت لم يريد خرق السفينة، إلا أنه يجب أن ننتبه له ونحاصره حتى لا نغرق! 
________
* كاتبة وصحافية وروائية سعودية 
(الجزيرة) السعودية

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *