الجنس في الأديان بين القداسة والنجاسة!



تقربُ الأديان موضوعة الجنس من زاوية أخلاقية محضة، مفارقة بذلك حقيقة مفادها أنّ الجنس صناعة الحياة، أو محاولة تقليدها في التجارب الأحادية- الاستمناء دون شريك- ، والمثلية- رجل لرجل- امرأة لامرأة.

وربما كان رجال الدين عبر التاريخ يخشون المنافس الروحي الحسي الأخطر للدين ولفكرة التفاني للرب (وهو الجنس بمساحاته الغامضة)، وهم لذلك قد وضعوا على الجنس خطوطا حمراء ترسمها وثيقة (وريقة) الزواج بعقد نكاح شرعي (وكلمة نكاح بالعربية ترتبط حصرا بالعقد الشرعي سواء كان مكتوبا أو منطوقا بموافقة المشافهة من طرفي الاستمتاع الدائم بالغريزة التي منحها الله للمخلوقات لغرض التكاثر، فإن تمت المواقعة خارج إطار الزواج تسمى زنا ولا تكون نكاحا)، ويباركها الكاهن أو القس أو الشيخ أو رجل الدين في ديانات غير التوحيدية.
العلم يعامل خلاصة روح الرجل (المني) باعتبارها ماء الحياة ، فيما تعتبره الأديان نجسا يسيء إلى قداسة الرابطة بين الإنسان وخالقه، وعلى الرجل بعد أن يمني أن يغتسل بالماء ليطهر.
أديان السماء عموما تقرن المرأة بالخطيئة، وتصوّرها منبعا لكل الخطايا، وأصل الشعوذة والشرور والسحر. وقد شنت أوروبا المسيحية في القرون الوسطى حربا شعواء على المرأة باعتبارها الشارة القرمزية التي تسم الساحرات الطائرات فوق مقشاتهن ليغوين الرجال إلى مستنقع الرذيلة، فيخرجنهم من ملكوت العشق الإلهي ليودين بهم إلى سقر الجحيم. وليس غريبا بعد، أن توصف مكامن المواقعة الجنسية بالجحيم، وفي ذلك استعارة من المعنى القديم واستلهام من بؤر الشوق، التي توصف باللهيب وأخاديد النار بلغة العاشقين والمتضاجعين دون عشق.
” إمتاع المرأة واجب في الديانة اليهودية وخلافه يقع الطلاق”
يعتبر بعض المفكرين الليبراليين أنّ اليهودية هي الأبعد بين ديانات التوحيد عن المرأة، وهي تضعها -حسب زعمهم- في مرتبة صانعة الأطفال المجردة من كل عاطفة- كما هو قائم اليوم عند بعض اليهود الأرثوذوكس- حين تشرّع بحقها ( جنس الكوشر) وفيه يرتدي الزوج والزوجة جلبابا معتم اللون يخفي كل الجسد سوى من فتحة بحجم أجهزة التناسل لأداء وظيفة التكاثر التي يتطلبها استمرار النوع البشري دون تلامس ودون شهوة- إن أمكن- ودون عاطفة.
أدوين شكر، رئيس مؤتمر يهود السفارديم العالمي، تحدث إلى موقع قنطرة للحوار مع العالم الإسلامي، مدافعا عن رؤيا اليهود الارثوذوكس ومشيرا إلى أنهم “يرون في الجنس طاقة خلاقة ايجابية تنشط ضمن الحدود التي فرضها التوراة والحاخامات فيما بعد”. ولفت شكر إلى أن “عدد أطفال العائلة اليهودية الأرثوذوكسية الواحدة قد يصل إلى 18 طفلا( حتى في بريطانيا) ، وهذا يدل على أنهم لا يعدون الجنس قوة سلبية تحمل الخطيئة رغم ما يشاع عنهم، بل وعلى عكس الرهبان الكاثوليك في المسيحية، فإن حاخامات اليهود الاثوذوكس ينعمون بحياة زوجية هانئة ومثمرة”. شكر في إجابته لم ينف أو يؤكد قضية جلباب الكوشر.
وفي معرض تأكيده لتكامل العملية الجنسية عند اليهود أشار شكر إلى “أن أرضاء وإمتاع المرأة أمر واجب في الديانة اليهودية، وإن لم يتم فإنه يمكن أن يكون سببا لالتماس المرأة الطلاق من بعلها.”
لك النساء ولكن: ” لا تبذل زرعك هباء”
تعرّف أسفار التوراة الزواج باعتباره إتحادا بين المرأة وبين الرجل يعيدهما إلى خلقة الرب الأولى حين جبل أدم وحواء من جسد واحد. وقد شرح أستاذ الأدب العربي في الجامعة العبرية في القدس، شامويل موريه، لموقع قنطرة رؤية الديانة اليهودية لثيمة الجنس مشيرا إلى “أن اليهودية تعتبر الجنس موضوعا مقدسا وفي النص التوراتي “لا تبذل زرعك هباء”، بمعنى أنه قد حدد المواقعة مع الزوجة حصرا.
ثم أشار موريه إلى أن الزوج لا يقارب زوجته إذا كانت حائضا، بل أنه لا يجوز له أن يلمس يدها أو أن يأخذ الشاي من يدها. وأكد موريه أن حدود الحرية الجنسية عند اليهود الأرثذوكس تقف عند الرجل، الذي يحق له أن يواقع النساء خلاف زوجته على أن لا يكنّ يهوديات، “وفي القدس الشرقية يرى المرء بسهولة يهودا ارثذوكس متدينين بلباسهم المميز وهم يعرضون على السائحات الأجنبيات مواقعتهن.”
واعتبر موريه أنّ الارثذوكس هم اليهود المتزمتون بشأن تطبيق النصوص التوراتية وهم يعتبرون الزواج رباطا روحيا وليس مجرد تقاربا جسديا. البروفيسور موريه كشف عن شعيرة مفادها أنّ “الرجل الارثذوكسي إذا أراد أن يعرف هل طهرت زوجته من حيضها يرمي بقبعته على فراشها( فهولا يسألها)”، فإذا أعادت القبعة على فراشه فمعنى ذلك أنها لم تتطهر بعد، وعليه الانتظار.
لكن موريه بدوره لم ينف أو يؤكد طقوس جنس الكوشر المتشددة، التي يقال إنها تحرّم التلامس بين الزوجين بقصد التمتع، وتحيل الجنس إلى طقس قدسي لاحسّي يختصّ بالتكاثر.
جزاء المؤمنين:” كواعب أترابا” و” ولدان مخلدون”
الإسلام في هذه المقارنة السريعة يبدو أكثر ديانات التوحيد تحررا في مسألة الجنس، وقد يبدو في هذا مفارقة مثيرة للاستغراب في ظل تنامي قوة المد السلفي الذي يضع المرأة خلف طبقات من الملابس والحجب السوداء، لكي لا تبين تكورات الجسد الساحر فتغوي الرجال، لكن علينا أن لا ننسى أنّ شعار السلفية الجهادية اليوم هو “فارق الحياة أيها المجاهد لتحضى بمعاشرة الحور العين”. وهنّ حسب الروايات 72 صبية باكرة بيضاء اللون سوداء العين لا يفقدن عذريتهن مهما واقعهن الرجل، ويخلدن صبايا ما خلد الشهيد في الجنة.
وربما يرجع تسامح الإسلام في مسألة الجنس إلى حقيقة أنّ نبي الإسلام تزوج بعدد غير متفق عليه من النساء فصار الزواج سنّة متبعة عند المسلمين عملا بقول النبي( تناكحوا وتكاثروا فإني مباه بكم الأمم )، كما أنّ النصّ القرآني أباح للرجل الزواج بأربعة والتسري بعدد لا محدود ممن يملكهنّ شراء أو استرقاقا .(وما ملكت أيمانكم)
رغم هذا التسامح في قضية الجنس فإن المفكرين المحدثين يصفون الإسلام بأنه دين ذكوري يغلّب ويقدّم الرجل على المرأة اعتمادا على نصوص قرآنية عديدة.
هل الإسلام فعلا متشدد في قضية الجنس ويحث على وضع المرأة خلف نقاب؟ موقع قنطرة وضع هذه الأسئلة أمام المفكر غالب الشابندر، فنفى أن يكون الإسلام متشددا، مشيرا إلى أن “التشدد من المسلمين وليس من النصوص الإسلامية الأصيلة، وما نراه من عزل بين المرأة والرجل، وبين الخطيب وخطيبته ، ومن صعوبات في التعارف بين من يرومون الزواج جاء من التقاليد والعادات، وليس من نصوص القرآن وأحاديث الرسول”.
“زيجات المستقبل بلا عقود وبمحض الاتفاق”
المفكر الشابندر نبّه إلى أنّ ” النص القرآني في قضية الجنس ينص على وجوب تسهيل طرق التواصل الجنسي الشرعي إلى أبعد الحدود، وهو أمر غير موجود في الديانات الأخرى”. وأضاف الشابندر” الزواج في الإسلام ليس أمرا مقدسا فقط، بل ميسّر ومحبب”.
ورغم خلافات المذهبين السني والشيعي، إلا أنهما يسعيان بشكل عام إلى تسهيل التعارف والتزاوج بين الذكور والإناث عملا بوصية النبي بتكثير الإسلام.
ويبدو المذهب الشيعي في قضية الجنس وحقوق المرأة أكثر تسامحا، ربما لارتباط هذا المذهب بفكرة خلافة الأئمة من نسل فاطمة الزهراء ( ابنة الرسول الوحيدة) وزوجها علي ابن أبي طالب. وفي هذا السياق يشير المفكر غالب الشابندر إلى أنه” لا يشترط في الزواج وجود شهود، ولا يشترط رضا والد الزوجة ولا رضا والد الزوج أو حضورهم، بل يكفي الاتفاق بين المرأة وبين الرجل لصياغة العقد الشرعي”.
ولفت الشابندر إلى تطور ثوري في الارتباط الزوجي، متوقعا أن يكون هو النمط السائد في المجتمعات الإسلامية مستقبلا، وعرّف هذا التطور باسم “زواج المعاطاة، الذي يقره بعض الفقهاء، حيث يكفي الاتفاق بين الرجل وبين المرأة لصياغة العقد الشرعي دون الحاجة إلى إنشاء عقد مكتوب من أي نوع، وهو يشبه عملية البيع والشراء، حين يشتري المرء شيئا من السوق ولا يحتاج أن يكتب مع البائع عقدا، بل هو أمر متفق عليه بينهما”.
ولدى سؤاله عن الجنس خارج إطار الزواج فيما أشارت إليه الآية القرآنية “وما ملكت أيّمانكم” ، أعرب الشابندر عن اعتقاده وإيمانه بأنّ هناك نصوصا وقتية ونصوصا دائمة، و”هذا النص قد نزل في وقت عصيب لسبب الحروب، حيث تكاثر الأسرى والسبايا، فكان لابد من حل لمشكلة الحرمان الجنسي لهذه الألوف من الجنسين، من هنا نزلت الآية، ويذهب كثير من الفقهاء إلى أن هذا النص انتهى بنهاية عصر الفتوح الإسلامية الكبرى”.
__________
* D.W

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *