”مقدمات الكتب” هل هي طريق نحو التكريس؟




* إعداد: زهية منصر

عادة ما يلجأ الكتاب الشباب عند أول محاولة لهم للخروج إلى فضاء النشر إلى غيرهم من الكتاب المكرسين أو الكبار حتى يكتبوا لهم مقدمات كتبهم وأعمالهم الإبداعية بغية تقديمهم للساحة، وعادة ما يكون هذا الكتاب المكرس أو الكبير قدوة للكاتب الشاب الذي يرغب ربما في اقتفاء خطواته أو الاتكاء على اسمه لتجنب بعض المصاعب واختصار بعض الخطوات، وربما بحثا عن الرعاية الأدبية.

ما فائدة المقدمات التي يكتبها كبار القوم لصغارهم؟ ماذا يمكن أن تضيف لهم ؟ وهل يمكن اعتبراها نوع من محاولة فرض الأبوة الإبداعية على القادمين الجدد؟ شرعية هذه الأسئلة تفرضها تجارب بعض الكتاب الذين صدموا في ”كبار” كانوا يعتقدون أنهم فوق الشبهات، بحيث يشتكى العديد من الكتاب الشباب من محاولات عرقلة وفرض الوصاية التي يمارسها بعض الكبار الذين يخافون من الشيخوخة الإبداعية وفقدان مكانتهم المهددة من قبل شباب، بينما يعتبر الكبار أن هذا التصرف هو نكران للجميل من قبل الشباب. ماذا يعني أن يقوم كاتب مكرس بتقديم كتاب كاتب شاب؟ وماذا يمكن أن تضيف له تلك الخطوة؟ أسئلة يجيب عنها مجموعة من الكتاب.
– فضيلة الفاروق: ”لا تصدقوا الكبار، لكن زهور ونيسي استثناء”:
ولكنك مخطئ يا صديقي أن تحمل مخطوطك وتضعه بين يدي كاتب مشهور لتأخذ رأيه… غلط يا صديقي أن لا تثق في نفسك وتثق في شخص لا تعرف كيف حقق شهرته، هل بقلمه أو بطرق أخرى تجهلها.
نعم غلط… لأنك في الغالب قد تكون ضحية حبك الأعمى لكاتب لا يراك سوى منافسا، ولأن من الحب ما قتل، فإنك في الغالب ستذهب لحتفك بمخطوطك وتسلمه لمن سيتفنن مستقبلا في مسحك.
خذوها حكمة مني…
فالمثل يقول إسأل مجربا ولا تسأل طبيبا…
لقد خرجت من تجربتي الشخصية مع بعض كتابي الذين أحببتهم لدرجة الجنون بجراح لن تبرأ أبدا…
لكني أتذكر زهور ونيسي حين لم أكن شيئا، اتصلت بها هاتفيا وطلبت منها موعدا فدلتني على بيتها، وصلت ففتحت لي الباب،شيء لم يخطر على بالي أبدا ولم أتوقعه، فاجأتني بلهجتها القسنطينية الأصيلة دون أية تحريفات، فوجئت بها سيدة قمة في البساطة، حضّرت لي ولصديقتي قهوة وحليب وحملت الصينية بنفسها وخدمتنا كما تخدم أي جزائرية ضيوفها، لن أنسى ذلك ما حييت. أعطيتها مجموعتي، فقرأتها في ظرف قياسي، وكتبت لي تقديما جميلا لا يزال موجودا على أول كتاب لي ”لحظة لاختلاس الحب”. ما حظيت به مع زهور ونيسي نادرا ما يتحقق في واقع الكتاب والكاتبات… نادرا ما نوفق، لأني في دوامة بحثي عن ناشر للمجموعة في بيروت، عرضت مجموعتي على كاتبة وكاتب شهرتهما ملأت الفضاء العربي… ففوجئت بالكاتب يريد ثمنا حتى يمرر لي المجموعة، وفوجئت بالكاتبة تثور من كلمة السيدة زهور وتطلب مني شطبها…
لم ينته المسلسل هنا… اكتشفت أن بعض ما ورد في مجموعتي سرق بذكاء، وبقيت سنة كاملة أبحث عن ناشر، حتى أهديت لدار الفرابي التي نشرت لي المجموعة بمالي الخاص وبالتقسيط المريح.
الكتاب أنماط… وحتى لا يصطدم الكاتب الناشئ بكتاب مشاهير يحبهم عليه أن يعتمد على نفسه، إن نموذج الكاتبة زهور ونيسي شبه منقرض الآن، يستحيل أن تجدي كاتبة ترحب بنصك وتشجعك على المضي قدما مثلها.
الكاتبة غادة السمان تتوفر فيها هذه الصفة أيضا، وهي من جيل ”زهورنا الغالية”.
حظيت بالدعم والتشجيع من جميلة زنير أيضا وسأذكر ذلك ما حييت، كتاب آخرين يضيق المقام لذكرهم، لكني صادفت الكثير من أبناء جيلي حوربوا من طرف المشاهير سواء في الجزائر أو في العالم العربي، حتى أن بعضهم سرق نصوص المبتدئين ظنا منه أنهم سيبقوا صغارا دوما.
أريد للجيل الجديد أن يعتمد على نفسه ويقدم نفسه بنفسه، فقد زكى كتاب كبار كاتبات صدمن القارئ… وأسأن لأدب النساء جدا.
ما معنى أن يقدم لي كاتب مشهور وكبير ويقول إن هذا النص يشبه نصوصه؟ أليس إشارة إلى أن من سلمه النص لص أو كاتب غير ناضج لا يزال في مرحلة التأثر؟؟
هذا رأيي على كل حال… ولست أفرضه على أحد، فتجاربنا تختلف والناس أيضا تختلف عن بعضها بعضا.
-الحبيب السايح: ”أبغض من يمارس الأبوة، ولا كاتب ولد مكرسا”:
كنت يوما، كاتبا شابا، ولا كاتب ولد مكرسا، وإن كنت أمقت أن يظللني أحد بأبوته فإني عشت أبغض أن أمارس أي نوع من الأبوة على أحد، من الكتاب الشباب خاصة، الذين نظرت إليهم ـ الموهوبين منهم ـ بالعين التي كنت أحب أن يراني بها غيري وأنا كاتب شاب. من هنا تفهمي لثورتهم ولغضبهم أحيانا ولتمردهم لإسماع صوتهم، لإثبات وجودهم. ومن هنا أيضا إعجابي ـ لدى كثير منهم ـ بما يكتبون؛ إذ أقرأه بتقدير لجهدهم ومراعاة لحساسيتهم، وفي غالب الأحيان بتثمين حين أكتب عنه، إن ذلك ما يجعلني سعيدا بمعرفة كثير منهم. فإن كانت هناك علاقة تربطني بالكتاب الشباب فهي بفعل هذا الاحترام المتبادل بيني وبينهم، الخالية، في تقديري، من أي نوع من الحسابات سوى الاهتمام بما يكتب.
-السعيد بوطاجين: ”الكاتب بحاجة إلى من يقدمه باستمرار حتى لو كان مكرسا”:
إن تقديم أي كتاب، هو من باب لفت الانتباه إلى أهميته، لأن الإعلام والنقد قد يهتمان لأسباب كثيرة بالمنجز المكرس ومن ثم إغفال التجارب الجديدة التي تجد صعوبة في فرض نفسها، رغم قيمتها. أتحدث عن التقديم الموضوعي للمؤلف دون تدخل الذاتية ودون أي تقنين أو توجيه للقراءة الافتراضية، هذا التقليد متداول في الآداب العالمية. وقد يعد التقديم، في سياقات، طريقة لتنبيه التوجه النقدي في حدَ ذاته بما في ذلك الذائقة المهيمنة.
ثمة دائما مقصد ما، لذا سيكون للجانب الأكاديمي أهمية في التعامل مع النص الذي يراد تقديمه، تفاديا لتبوأ العلاقة، على حساب القيمة الفعلية. ثم إن المسألة لا تتعلق فقط بالهاوي والمكرس. هناك كتَاب معروفون تمَ تقديمهم إلى المتلقي من قبل كتاب في المستوى ذاته، أو أقل ذيوعا والأمثلة كثيرة، خاصة في حال الترجمة. إنني لا أرى أية سلبية في أن يقدمني إلى الجمهور من يقرأ كتاباتي، بغض النظر عن وضعه، وقد حدث ذلك في كتابين أو ثلاثة، كما قدمت نصوصا أصبح أصحابها مكرسين وطنيا وعربيا، وربما أفاد التقديم في إخراجهم من الظلام على الأقل في جزء منه. الكتاب الجدد بحاجة إلى دعم وما التقديم إلاَ صورة منه، لكنها ليست ضرورية رغم قيمتها في مقامات، لأن الكاتب الموهوب قد يعزل، وقد يغفل نقديا وإعلاميا، لكن التقديم قد يفيد نسبيا مع أنه لن يجعل منه كاتبا مكرسا خارج عبقريته، لن يفرضه إن كان ضعيفا أو بحاجة إلى شحذ ملكته لأن القارئ هو الذي يحكم وهناك الزمن. أؤكد، من وجهة نظري، أن هذا التقليد، قد يكون حافزا إن كان عارفا وصادقا، وقد نحتاج باستمرار إلى من يقدمنا.
-زهور ونيسي: ”على بعض الكبار أن يتواضعوا قليلا”:
وأنا في هذا العمر عندما أقرأ للشباب والشابات أتذكر نفسي عندما كنت شابة بحاجة إلى دعم ونصيحة من الآخرين، وأنا أعمل في هذا الصدد وفق قاعدة ”أحب لغيرك ما تحب لنفسك”، وأنا أتصور أن هؤلاء الشباب القادمين هم المستقبل وهم الذين سيمثلوننا في القادم من الأيام ولا أتصور أن كاتبا ”كبيرا” يمكنه أن يرى الشباب إلا من هذه الناحية، وأنا أستقبل يوميا في بيتي طلبة الجامعة أو الشباب الذين يشتغلون على الأدب أو لهم اهتمامات أدبية وأرى فيهم مشاريع جديدة لهذا البلد ومن المفروض أن يتواضع بعض الكتاب الكبار لأن الأساس في المبدع أن يكون متواضعا ويفترض فيه إدراك تجارب الحياة والاستلهام منها ومحاربة ثقافة الكره والحروب غير مجدية.
في هذا البلد الكثير من التجارب الشابة التي أراها تبر بالأمل والمستقبل، في نهاية الأسبوع، مثلا على هامش تكريمي من طرف اتحاد الكتاب، سمعت قصائد لشباب غير معروفين إعلاميا لكنهم إبداعيا أحسن من الكثير رغم انتشارهم إعلاميا.
جميلة زنير: ”لم يقدمني أحد وأرفض تقديم الآخرين”:
في زماننا كنا نحترم من سبقنا في التجربة كنا نرى الطاهر وطار وبن هدوقة قامات نتقبل أراءهم وانتقاداتهم لكن بعد هذا الجيل جاءت أخرى خاصة بعد فترة الحركات الإسلامية، انهارت كل قيم الاحترام والتوقير حيث صرنا نسمع أجيال تقول إننا ولدنا من فراغ نحن لا نقبل الأبوة. ولكن يبقى أن نقول إن الكاتب لا يقدمه الآخرون ولا يمكن لكاتب أن يفرض كاتبا آخر في الساحة مهما بلغت شهرته كل تجربة تفرض نفسها، والشيء الذي يمكنه أن يجعلك تنتزع مكانتك هي جودة قلمك فقد يغطى عليك الآخرون لفتر وزمن معين لكن التجربة كفيلة بأن تجعل نصوصك تفرض نفسها في الساحة دون مزية من أحد لذا فأنا لم يقدمني أحد وأرفض أن أقدم غيري وكنت دائما أقول للشابات اللواتي يقصدنني وحتى الشباب نصوصكم هي التي تقدمكم للآخرين فلا أحد انطلق بلا تجربة.
-عمر ازراج: ”التقديم مسألة شكلية”:
أولا الكاتب والأديب الموهوب الحقيقي لا يقدمه للناس إلا إبداعه لنصوصه أما هذه العلاقة الأخوية التي تربط ما بين الأدباء فهذه عادة لا يخلو منها بلد ويتم العمل بها في كل الدول حيث يقوم كاتب معروف بتقديم ومساعدة كاتب ناشئ يشق طريقه والتعريف به أمام القراء بدون عقدة لا من طرف الكاتب المكرس ولا الكاتب الشاب، لأنه في المجتمعات المتحضرة والتي يوجد فيها أدباء متحضرون، الكتاب المكرسون يقومون بفتح بيوتهم ومجالسهم للكتاب الشباب كما كان بيت العقاد مفتوحا وكما كان باب الشاعر الكبير عبد الرحمن الخميس مفتوحا، حيث كانوا يساعدون الكتاب الشباب وينفقون عليهم حتى ماديا ويساعدونهم معنويا بالنشر في الجرائد والمجلات، في الجزائر نقيم في جزر معزولة عن بعضها البعض ولا تلتقى، وإذا حدث أن التقت بفعل زلازل الزمن فإنها تغمر بعضها البعض وتطمس بعضها البعض، حسب تجربتي هناك الكثير من الشعراء الشباب الذين طلبوا مني تقديم مجموعاتهم لكن كنت في كل مرة أرفض بدبلوماسية لأنني كنت أعرف أن التقديم سيكون له عكس المراد منه حيث يرى فيه البعض محاولة لفرض الأبوة والبعض الآخر محاولة لفرض الوصاية على هذا أو ذاك، وقد يرى فيه صاحب الديوان أنني المايسترو الذي يقدمه للناس، في الواقع الأدباء الشباب اليوم هم أكثر حضنا من الأدباء المكرسين من حيث فرص النشر والوصول إلى وسائل الإعلام حيث أن أغلبهم يعملون في الإعلام أو لديهم علاقات نافذة مع الأقسام الثقافية، كما أن وزارة الثقافة، عن طريق صناديق الدعم، تنشر لهم، وأقول بصراحة إن المكرسين هم الذين سيطلبون من الشباب تقديمهم للناس، لكن من جانب آخر أقول إن التقديم هي مسألة شكلية تماما فقد وجدت في بدايات حضن سهيل إدريس وعدد من الكتاب العرب مدرسة استفدت منها دون أن أرى في ذلك محاولة لفرض الوصاية لكن هذا غير ممكن الحدوث الآن لأن الساحة الثقافية في الجزائر مريضة ومحاصرة بانفلاتات، خلافات، قطائع و حروب غير مبررة والعداوات المجانية التي لا تسمح بنمو ثقافة الحوار وتلاقح التجارب، فالساحة الثقافية نقلت إليها أمراض السياسة وصار البعض عندما يعجز عن صنع تاريخه يستولي على تاريخ الآخرين.
-ميلود حكيم: ”نحن نفتقر إلى تقاليد أدبية تقوم على الاحترام المتبادل”:
تقديم الكتّاب لبعضهم البعض تقليد معروف ومتعامل به في كل دول العالم، حيث يلجأ الشاب لكاتب مكرس يقدمه للقراء من باب البحث عن باب الدخول للساحة عن طريق أسماء لها خبرة وتجربة، ويقوم الكتاب المكرسون بهذه الخطوة كنوع من الرعاية الأدبية وحتى يلفتوا الانتباه لتجارب جديد قد يكون لها شأن وحضور في المستقبل في عالم الإبداع والكتابة، وهذا عن طريق تصويب تلك التجارب وقام بها كبار الكتاب مثل إليوت، الذي قدم إحدى قصائده المشهورة إلى شاعر أمريكي صوبها فقبل إليوت النقد والملاحظات التي قدمت له.
في الجزائر ليست لنا تقاليد إبداعية ولا ثقافية تقوم على الاحترام وتبادل التجارب والخبرات وتثمين المسارات، ساحتنا للأسف طاعنة في الخلافات ومحاربة البعض للبعض دون أسباب واضحة ولا تعترف للأسف بالغير. الساحة فيها أباء عاقون لا يقدمون الرعاية للأبناء وأبناء لا يحترمون الآباء. ليس هناك حوار بين التجارب، في الجزائر هناك عطب ما لا نجد مثلا كتاب يتبنون تجارب مثلما كان يفعل ادونيس ونجيب محفوظ أو يوسف القعيد الذين كانوا يرافقون تجارب شابة حيث ارتبطت أسماؤهم بأسماء أخرى رافقتهم وكانت تسهر معهم وتدخل معهم الصالونات الأدبية حتى صارت هي الأخرى لها اسمها في الساحة نحن، اليوم، بحاجة إلى إعادة بناء الساحة الأدبية والثقافية على الحوار وتقبل الزاخر وخاصة تقبل النقد والتواضع.
_______
* (الفجر) الجزائرية. 

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *