عن القراءة والثقة بالذات


* ربيع محمود ربيع

(ثقافات) 

هل الإنسان العربي كائن لا يقرأ ؟ وبصيغة أكثر صراحة هل أمة اقرأ لا تقرأ ؟. لماذا نسمع هذا الصوت العالي المتذمر من عدم انتشار ثقافة القراءة في المجتمع ؟ لم يشكو المثقفون من غياب القارئ ؟ وماذا بخصوص القراءة عند فئة الشباب؟
(الناس لا يقرأون) تكاد تسمع هذه العبارة تتكرر على ألسنة الكتّاب والباعة وأصحاب المكتبات والقائمين على المؤسسات الثقافية، حتى يكاد يصيبك العجب، إذا كان لا يوجد قرّاء، فلمن تكتبون وتطبعون الكتب؟ وماذا تبيع المكتبات والأكشاك إذا لم يتوفر القارئ الذي يشتري؟ وكيف استطاعت بعض الأكشاك أن تستمر وتواصل مشوارها منذ أكثر من خمسين عاماً؟ وماذا لو وقفتُ ضد هذا التيار، وقلت إن وضع القراءة عندنا جيد ويجري ضمن أفضل معدلاته؟ 
بالتأكيد_في أحسن الحالات _ سأطالب بتقديم الأدلة والبراهين، وسأنصح مسبّقاً ألا أورط نفسي بإلقاء الكلام جزافاً ودون دراية كافية. وبالتأكيد سأواجه بأرقام اليونسكو وتقاريرها عن مؤشرات القراءة والثقافة المتدنية في العالم العربي. ولكن بماذا تهمني هذه التقارير والمؤشرات إذا كانت لدي وقائع أتعامل معها (أتحدث هنا عن الأردن) تخالف ما جاء في تقارير اليونسكو ؛ فأندية القراءة المنتشرة على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) لا تعرف عنها تقاريرُ اليونسكو شيئاً، علماً أنها أندية واقعية تلتقي على أرض الواقع وتناقش كتباً مختلفة ولا تكتفي باللقاءات الافتراضية والمناقشات الالكترونية، أذكر منها على سبيل : نادي (كتابي _ كتابك)، ونادي كتاب 96(لديه ثلاثة فروع مستقلة: عمان،إربد ،الكرك)، ونادي (شرفات) ونادي (مشروع مثقف)، ونادي انكتاب (له ثلاثة فروع مستقلة عن بعضها أيضاً)، ونادي الملتقى الأدبي، ونادي كتاب(تابع للجامعة الأردنية)، ونادي (نقش)، ونادي (شباب إربد للعمل التطوعي)،
ونادي (ماذا أقرأ؟/لطلبة جامعة العلوم والتكنولوجيا)، ونادي أوراق (طلبة جامعة البترا)، والصالون الثقافي(خير جليس)، ونادي أسفار(طلبة جامعة مؤتة)،وهناك أندية حديثة النشأة مثل نادي القراءة (جامعة الأميرة سمية)، وأندية أخرى تحت التأسيس كنادي ألف (لطلبة جامعة عمان الأهلية) . هذا في حدود معرفتي الشخصية ومن خلال حضوري لنقاشات بعض هذه الأندية، فكيف بالأندية الأخرى وكل مجموعة أصدقاء بإمكانهم إنشاء مجموعة في الفيس بوك وإدارتها .
وهذه الأندية لا تقف نشاطاتها عند مناقشة الكتب بل لها دور مميز في نشر ثقافة القراءة بين فئة الشباب، ولها دور في توفير الكتاب ومبادلته من خلال تنظيم معارض للكتب المستعملة،وقد اشتهرت هذه المعارض وذاع صيتها على مستوى المملكة؛ من هذه المعارض على سبيل المثال معرض “يلا يا كتاب” الذي نظم في ثلاث جامعات أردنية؛ حيث توضع الكتب في عربة ترمس ويدار بها في الجامعة في خطوة لإعادة الاعتبار للكتاب؛ فالترمس هذه المرة يوزع كهدية مع الكتاب، في حين اعتدنا أن يقدم ورق الكتاب كهدية معه !. ومن أشهر هذه المعارض معرض انكتاب للكتاب المستعمل (نون) الذي يعد رائد هذا النوع من المعارض في الأردن، ويسعى إلى توفير الكتاب للقارئ بأقل الأسعار؛ إذ لا يتجاوز سعر الكتاب دينارين ، وحتى نتجاوز دائرة التقدير في حديثنا عن القراءة وننتقل إلى الأرقام الموثّقة سأتناول مبيعات هذا المعرض الذي أقيم ثلاث مرّات في عام 2012 (مرتين في عمان ومرة في إربد)؛ فقد كانت المفاجأة عندما باع المعرض_ في دورته الأولى_ أكثر من 90% من كتبه البالغة أربعة آلاف كتاب خلال الساعة الأولى من إقامته ، مما شجّع القائمين على المعرض على تكرار التجربة في شارع الثقافة (الشميساني) وبعشرة آلاف كتاب تزاحم عليها آلاف المشترين طوال خمس ساعات متواصلة، مما دفع جماعة انكتاب إلى تمديد معرضهم ساعة إضافية، وإلى التفكير في الاتجاه نحو المحافظات ، فكانت إربد هي وجهتهم بسبعة آلاف وخمسمئة كتاب ، بيع منها نسبة 92% خلال مدة المعرض (أربع ساعات) وكان عدد الزوّار 1200 زائر ؛ أي بمعدل بيع 29 كتابا في الدقيقة، ومتوسط سعر الكتاب نصف دينار، كما أن متوسط عدد الكتب المشتراة لكل شخص ستة كتب. في حين أنّ نوعية الكتب تناسب كل الأذواق والاهتمامات، وأغلب المشترين من فئة الشباب. فهل تعرف اليونسكو شيئاً عن هكذا أندية وهكذا معارض؟
حسنا سنتناول الموضوع من جانب آخر، وهو جانب النشر؛ فلدينا أرقام مبيعات لروايات أردنية لم تصدر بدعم وزارة الثقافة بل بدعم جيوب كتّابها، وحققت نجاحا ملموساً على مستوى المبيعات، فرواية “عروس عمان” للروائي الشاب فادي زغموط نفدت طبعتها الأولى في أقل من ستة أشهر، ورواية “قبل السفر” الصادرة حديثاً للكاتبة علا عليوات قاربت على النفاد. في حين باعت (المؤسسة العربية للدراسات والنشر) الطبعة الأولى من رواية “يا صاحبي السجن” للروائي الدكتور أيمن العتوم خلال الشهور الثلاث الأولى من صدورها، وقاربت الطبعة الثانية على النفاد، وسترى الطبعة الثالثة النور قريباً. وهناك كتب كثيرة تلاقي الإقبال والنجاح نفسه ككتب إبراهيم نصرالله وجمال ناجي وغيرهم. 
وأخيراً أقول: إن توفر هذه الأرقام بين أيدينا يدعونا إلى إعادة التفكير في الصورة السائدة عن القراءة في مجتمعنا، وإلى الشك في الطريقة التي يتم بها كتابة هذه التقارير الصادرة عن اليونسكو وغيرها ،تلك التقارير التي يقول الناشطون في هذه الأندية إنها نسب وأرقام وهمية لاتعكس الواقع والهدف منها ضرب فكرة الاستثمار في قطاع الثقافة . فهل سيتنبه المستثمرون إلى وجود هذا القطاع في ظل وجود أرقام وتقارير جديدة …؟
في رأيي إن هذه الأرقام _ على الأقل _تدعونا ،بشيء من الثقة بالنفس، إلى القول إن (أمة اقرأ لا زالت تقرأ)!.
________________
* قاص من الأردن. 

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *