ميسون صقر: الكتابة لا نحشوها بما نريد انها ليست سندويتشاً بل تجربة


حاورتها : عناية جابر *

ميسون صقر «الأميرة» الإماراتية التي تعيش في المنفى المصري، هي في آن معاً، وبالقدر ذاته، الشاعرة والرسامة. كانت الحياة سخية على ميسون وشحيحة في نفس الوقت، أعطتها الموهبة في الشعر والتصوير، أعطتها الجمال لكنها منتها بأدواء في جسدها جعلتها تنهض من محنة إلى محنة ومن علاج إلى علاج. بمناسبة صدور مجموعتها الأخيرة «جمالي في الصور» كان هذا الحديث.

÷ في مجموعتك الجديدة “جمالي في الصور” ثمة الألم كتيمة أساسية ويبدو واضحاَ ومكتنزاً في المشاهد. هل لما يجري في مصر علاقة بإعلاء هذا الألم؟
} الالم مصدره الحياة ذاتها مصدره وعينا بها فهو شديد الانهماك في الحياة، ومن ثمّ لم يعد الشعر تعبيرا عن النفس او آلامها فحسب، بل أصبح تعبيرا عن حقائق الواقع والنفس معا يختص بذلك اكتنازه كما تقولين في المشاهد. كيف لا وكل مشاهداتنا طوال السنتين الماضيتين هو العنف والقسوة والدماء والموت والهدم، كأننا نرى فيلما مرعبا لا ينتهي والاشد تخرج منه فيتعقبك في الواقع وكل ما بني طوال عشرات ومئات الاعوام ينهدم خلال ايام، تجدين نفسك بعد كل ما حظيت به المرأة من حقوق في تونس ومصر والعراق وسوريا ينحدر تحت سيوف القهر، وكل ما بنيناه من مفاهيم للوحدة والثقافة والوعي والتطور، ينحدر تحت مصائر لا تسمع غير صوتها المفسر للحياة باكملها من خلال رؤية ضيقة للدين يرونها هم حسب رؤيتهم فقط. وبعد ان كنا نأخذ الجانب المسالم. نحن في العنف تجدين نفسك تحاصرين بدولة عظيمة تنهار كالعراق وسوريا ومصر وتونس واليمن وليبيا وشعوب تجوع وعنف يسود. عالم لم نعرفه وتقسيمات ننأى عن التوغل فيها.
الالم يحيط بنا ان وعينا وشاهدنا واندمجنا في حالنا وحاولنا تفسير ما حولنا وان تسلحنا بالامل وان تفاءلنا تظل بؤرة تنير مشاعر الخطر.
الالم حولنا وان تسلحنا بثقافتنا التي بلا وطن إلاها وان استسلمنا لفكرة ان العالم قرية صغيرة، المشكلة انني عشت في بيت يعلي مسألة الاوطان والوحدة ورأيت بلدانا تنادي بها وتعيش التواؤم فيكون المواطن، ايا ما كان، آمنا فيها ليست حكرا على طائفة مثلا اليوم تجد ان كل بيت منقسم على ذاته ربما علينا النزول الى ارض الواقع والاعتراف ان كل ذلك قد سقط وعلينا الاعتراف بسقوطه لنقف امام المرآة كما نحن الان لا نحلم اكثر مما نستطيعه وان تكون احلامنا على ارض الواقع قليلا.
الالم بحكم كونه شعوراً انسانياً يظهر ويبين مع تحفيزه وما امر به من حال خاص وعام دائم التحفيز لهذا الشعور. اضف اليه ان الكتابة تأتي لدي دائما بطبعها من منطقة الحزن. اتألم حين اكتب االكتابة تكمن في هذا الشعور وان حاولت ابعادها تكمن وتغذي الشعور ذاته رغم انني في الواقع شخص متفائل ومقبل على الحياة لكن مفهوم الشعر او الشعر ذاته لدي يكمن في ما بعد الجلد واللحم وحين يصل الى العظم يكون قد مر في مرحلة الالم. ربما اتفلسف وربما كان المفهوم رومانسيا لكن احاول فقط تفسير حالة الكتابة بعد الكتابة ذاتها وهي الاهم دعيني اقل ان الالم ايضا شخصي. من كل ذلك يأتي ممزوجا بمجموعة الفقد في حياتي. ربما بعضها شاركت فيه لكنه فقد مؤلم والم خاص بالالم الجسدي وهذا بما حدث لي من كسور عديدة خلال الفترة الماضية والعمليات وعدم القدرة على الحركة ثم صعوبتها، وما زلت اعاني ذلك اذ اتممت منذ ايام آخر العمليات التي بالقدم. الالم المصحوب بالخوف من عدم الحركة الخوف من عدم انتهاء حالة سيلان العجز في حياتي. العجز من الحركة وما يتبعه من العجز في الحياة، خاصة ان جدتي ظلت رهينة الكسور والكرسي المتحرك، وتجدين قصيدة لي عن هذه الحالة، والمدهش انني وصفت حالتي لكنها من القصائد الاولى الي كتبت قبل حادثة قدمي بستة شهور تقريبا، وربما كنت احدس بها.
لكن دعيني اقول اخيرا الالم هنا ليس الما حقيقا، هو التعبير عنه. انه تيمة تلعبين بها وتؤسسين عليها بناء قصيدتك ومن ثم بناء معمار الديوان، ان كنت واعية بذلك ام لا، ايضا في ظل ما تكتبين عنه.
اما عن مصر فقد كانت الاقوى حضورا لدي لسببين. بلد عشت فيه واحببته ودخلت جميع تفاصيله اليومية على جميع المستويات وواقع قريب ومصر دولة كبيرة بحجم الحشد والافراد والتاريخ. ان وقعت اهتزت مدن ودول اخرى كثيرة. كما ان بلدا كمصر هو بلد آمن طوال الوقت مفاجئ بهذا الحادث فيه بكل عنفه واهتزاز قيمه التي تظنها ثابتة تبني عليها فيأتي من يزعزع كل ذلك وكأن التاريخ لا قيمة له في تثبيت القيم والاسس والحريات، كما حدث في العراق مثلا. كل ذلك الكيان القوي ثقافيا وسياسيا واقتصاديا يصبح اشلاء أمة وتباين افكار كما في تونس بالنسبة للمرأة وحرياتها التي منحت لها في العهد البورقيبي وظلت تناضل من اجل تثبيتها كقيم حقيقية. في الوطن تهتز في بضعة شهور لما يملكه الآخر من علو الصوت. تظل اذن خائفا على كل منجزاتنا الحضارية في الحقوق والحريات وبناء المؤسسات، من هدرها سريعا هكذا بجرة قلم كما يقال
اذن الالم من الوضع الحالي والفقد السريع والخوف والتساؤل عما سندفعه من سنوات وموت كما في سوريا مثلا لكي نعود لحالنا، امامنا نماذج لا تبشر بخير مثل العراق والسودان وافغانستان. قبل ذلك تجد ان الزمن الامن المنجز للحريات والمؤسسات وراءنا لا امامنا. هذا ما اخاف منه وارجو ان لا يكون.

÷ مجموعتك الجديدة تعتبر مجموعة شعرية وافرة وضخمة على ما رأيت، هل كتبتها دفعة واحدة ؟ هل بالأحرى تزامن وقت كتابتها منذ بدء الثورة المصرية حتى سقوط النظام كما ورد في احدى القصائد؟
} صحيح هي كبيرة بعض الشيء. كتبتها في فترات متقطعة على مدي شهرين ثلاثة، ثم اشتغلت عليها بعد ذلك لفترة طويلة تصل ايضا الى بعض شهور، لكن هناك قصائد اقدم ربما بشهور قليلة لكن المجموعة باكملها كانت تقريبا حصيلة السنة الا بعضا يسيراً.
بعد ذلك بدأت العمل في كل ذلك وتنقيحة والعمل عليه والاشتغال عليه والانشغال به منذ نوفمبر وفي اواخر يناير كنت قد استقررت على النشر ونشرت اوائل مارس.
هي مجموعة وافرة وضخمة لكن هذا حالي منذ فترة منذ بداياتي، فبعد ديواني «البيت» و«جريان في مادة الجسد» و«هكذا اسمي الاشياء» اغلب مجموعاتي ضخمة ومقسمة واتضح ذلك اكثر «مع الآخر في عتمته» و«تشكيل الاذى» و«ارملة قاطع طريق» و«رجل مجنون لا يحبني» واخيرا «جمالي في الصور» اذ بدأت انشر اقل واقسم المجموعة لاكثر من قسم بعدة مسميات لحالة واحدة.
بالطبع كان الزمن الذي اكتب فيه متسعاً قليلا بين قوسي الثورة /المرض وحالات الانتكاس، خلال سنة واحدة او اقل ظل فيه القوس مفتوحا حتى الانتهاء من الكتابة والتدقيق. لكن هناك قصائد قليلة انضمت كانت ابعد قليلا انا اتكلم عن شهور فقط ولم تكن منتهية. كانت بدايات اكملتها في سياق المجموعة ومنها ما حذفته بالطبع .
كتبت في خلال سنة واحتشدت خلال شهور هذا ما فعلته في هذه المجموعة.

÷ أيضاً، تكتنف المجموعة الأسئلة الوجودية والتأمل الفلسفي في الحياة والموت، أكثر منها في مجموعاتك السابقة، كيف رتبت عملية تحميل الشعر كل هذه الأسئلة القلقة؟
} لم ارتب ذلك التحميل. انت تغذين وعيك وذاكرتك وثقافتك ولغتك طوال الوقت، تغذين الروح وهي تجلب ذلك إلى الجسد. تجذب ما غذيتها اياه ممزوجا بالواقع وبما خلطته فيها ما توحينه الى الكتابة. كنت خلال الفترة السابقة اقترب في القراءة الى فكرة التصوف وفلاسفة اتأمل وتأمل الوجود. كنت اتغذى روحيا من منابع للحياة مختلفة من باب المعرفة والاكتشاف والاضافة. كنت انحو ناحية الاسئلة التي بلا اجابة والشك الذي بلا يقين. في الواقع كنت اقترب من نضج الشعر كيف يكون. احاول ولم اعرف طريقا لذا اقتربت الكتابة لدي من الوعي اكثر من اللاوعي، وان كنت اظن الثانية تجلب شعرا جميلا لكن الاولى تجلب شعرا عميقا والغوص في احدهما قد يفسد الشعر ذاته.
اما الاسئلة القلقة في الوجود فهي على قارعة الطريق في اوطاننا يا عزيزتي. نحن على مفترق طرق واي تحرك قد يوقعنا في تردي اعوام طويلة قد لا نخرج منها الا منهكين وبيننا وبين العالم ردح من الزمن.
كذلك انا بطبعي محاورة لذاتي متساءلة دوما، اضع بين يدي جمرة السؤال والشك في الاجابة ايضا.
اذن هو حمل بذاته دون قصد ضمن ظروفنا التي نعيشها خرج من قمقم اللاوعي والذاكرة الى فسحة الابداع دون قصدية. كنت قبل الثورة اتعمق في قراءة التصوف والفلسفة ثم جاءت الثورة باسئلتها لتعمق اسئلتي وقلقي، لذا ظهرت جليا في الكتابة بلا ترتيب ولا تحميل. لكن الشعر يظهر جليا نفس كاتبه. يحمل لغته ثقافته اسئلته دورنا في الاخير ان نعمل ونغذي الوعي والذاكرة ونجتهد لكن في الاخير نكتب ما يمليه علينا الشعر فهو الذي يختار. لسنا قادرين على اعطائه فكم من مثقف كبير لا يكتب الشعر وكم من متصوف عظيم لا يقرضه وكم من شاعر لابد له من جهد جهيد ليستطيع ان يشعل هذه الجذوة العميقة فيه.

÷ هل السياسة برأيك تُخرّب الأدب على ما يقال, أم تعززه وتُغنيه؟
كيف ترين الى الكتابات التي أفرزتها الثورة المصرية؟ ما الذي لفتك منها؟
} ربما السياسة المباشرة حسب ما يكتب وكيف يكتب ومتى لكننا في لحظة اعتراك حياتي كبير، ليس في السياسة فقط. لا يمكن ان نحجم صورة الوضع العربي في الشأن العام بالسياسي فقط. العنف الحادث في كل شيء ليس سياسيا فقط. الجوع و عدم وضوح الرؤية ومسألة المصير مصير الامة والدولة والمؤسسات والتاريخ والاثار والحريات.
انت تواجهين حالة اخرى. تغيير في لب الحياة اليومية وفي عمق احلامك وثقافتك. انت تجدين نفسك كفئة صغيرة اقلية بما يتبعه ذلك من الاحساس بالخوف والاضطهاد وعدم الثقة وذلك ما يحسه العقل والوعي وكل من يختلف. انت هنا يتصدر لك خوف وقلق ينتاب الاقليات خاصة ان كانوا غير مرحب بهم. المثقف يصبح اقلية كل صاحب دين مغاير يصبح اقلية. كل صاحب فكر مغاير يصبح اقلية. كل مطالب بقيمة مغايرة يصبح اقلية. لذا لا اعرف ان كانت السياسة تخرب ام تعزز الادب. هناك في داخلي اقول انها تخرب وبداخلي ايضا ان الاعمال الكبرى نشأت بجانب حيوات ضخمة وثورات عميقة تهز القيم وتخلق الواقع وتغنيه. لكنني اعرف ايضا ان اي كتابة مباشرة لا تليق بالشعر تماما ولا تصل بالادب الى ما نصبو اليه، ولا اقصد الصور والكنايات وغيرها انما اقصد الفج المباشر الذي لا يخلق الخيال ويمعن في الخلق والاختيار.
الكتابة لا تحشوها بما تريده منها. هي ليست سندويتشا إنها تجربة عميقة في الشخص بينه وبين لغته وبين تجاربه وبين واقعه. انها الصراع والمثل واللغة البسيطة منها والمعقدة ما يخرج من بساطة التجربة ومن تعقيدات الواقع والعكس. هي مابين دفتي كتاب تقرأه وتقول هذا كتاب رائع ولهذا فان كل ما يختمر داخل تجربتك يعول عليه اكثر في خروج صدفة الشعر وروائعه.
لا معنى للرديء والجيد هنا الا في النتيجة الاخيرة في العمل الادبي، ومع ذلك يجب ان توقف الزمن لحظة لتكتب والا لا تستطيع ان تمسك القلم وتقول سأكتب عن الثورة مثلا وتكتب، وفي كل لحظة يتغير حدث ويتكشف لك وضع ما. كيف تبدأ وكيف تستمر والتغيير حادث في كل لحظة الا ان يكون هناك حدث يؤثر فيك ضمن كل هذا فتكتب من خلاله او تكتبه والا ستدون فقط الكثير من المتغيرات كل يوم وهذا ما يحدث اكثر من كتابة الشعر والرواية فهي تنتظر وقتا اطول للاختمار في حالة كهذه.
لم اقرأ كتابا واحدا عن الثورة لكنني نظرت فيها فقط كيف تقرأ، انت تعيشه كما هو واغلب ما كتب شهادات عن الثورة او كتابات مباشرة الى حد. ما اظن أن ما سيكتب لاحقا سيكون اكثر نضجا لكنني اثني على جهد مجلة الكتابة الاخرى بما قامت به من تجميع للشهادات والقصائد والكتابات في مجلدين ضخمين احدهما عن الثورة المصرية، والاخر عن الثورة التونسية وهي بصدد العمل على الثورات الاخرى. كما انني ارى ان الشهادات التي كتبت من كل من الكاتب الكبير ابراهيم عبد المجيد واحمد الشيطي ومنى البرنس، على اختلاف مشاربهم ومستوياتهم، شهادات هامة من مثقفين كانوا في الميدان وغير ذلك مما ستفرزه الفترة القادمة من كتابات تؤرخ وتمتن بعض الاحداث في الثورة كما ان كتابا لنبيل عبد الفتاح صدر حديثا عن مجموعة مقالات عن الثورة، قرأته متفرقا ايضا، ذو اهمية في توضيح رؤية الكاتب تجاه ما يحدث وتفسيره وتحليله.
لفت نظري مثلا كتب اخرى مثل ديوان سيد محمود الاخير ورواية طارق امام وبعض، لم ينشر بعد. كله لا علاقة به بالثورة فنحن نعيشها كل يوم وحين نخرج للابداع ننتظر ما يخرجنا من حالة الدوامة اليومية والاعادات المطولة للحديث عن الثورة وما يستحدث كل يوم من احداث غير مبهجة، بل ومقلقة اننا نلوك حالنا كل يوم بما يهلكنا.
÷ عدا القصائد التي تشي بعلاقة أكيدة بين الشاعرة وبين ما يجري من حراك في الشارع المصري, هل شاركت ميدانياً اذا صح التعبير في التجمعات الثورية أو في أيّ اصطفاف شعبي من هذا القبيل؟
} لم اشارك جسديا بالثورة في بداياتها نظرا لظروف عدة، منها انها ثورة مصرية مائة بالمائة قام بها ثوار مصريون للمطالبة ببضع امور سرعان ما ارتفع سقف المطالبة الى تغيير النظام وكنت انظر لها في بداياتها كاحتجاج على اوضاع ورغبة في التغيير، ثم تطورت الاحداث بسرعة وافرة. نزلت فيها يوم تنحي النظام، خرجت من المنزل وظللت في الشوارع ما يقرب 6 ساعات. كان ما يقرب من ثمانية ملايين شخص في الشارع، وكان الميدان اقصد ميدان التحرير كبحيرة تموج بنا. لم ولن انسى يوما حالة التصاق البشر وفرحتهم وانتفاضتهم. هذه لحظة تاريخية كانت النتيجة ان تجد نفسك ضمن هذا الحشد الوافر والضخم تقل قيمة الشخص حينها لتعلو قيمة اخرى يسيطر عليها المكان والحدث. كنت في بحر يهدر. لم اكن نفسي. لم اكن شخصا، كنت حالة ضمن حالة عامة تأخذك في ركابها وتهدر بك تصبح عضلة صغيرة او وريدا او شعيرة في جسد كبير لعملاق اسمه الشعب، او المجموع شيء لا يوصف ابدا. كانوا يقدمون لك الحلوى والورود في كل مكان، هناك روح شعب جديدة تتوالد وتظهر واضحة في الازمات والافراح، بسيطة رشيقة، كما نحلم بها ونتوق اليها
بعد ذلك لظروف تكسر قدمي واضطراري إلى السفر للخارج لاجراء عدة عمليات ثم عودتي وعدم قدرتي على الحركة، وايضا لانني احترم انني لست مصرية وانني رغم كل شيء ضيفة على مصر، لم اشارك كثيرا الا بما يسمح به كلا الوضعين الصحي وعدم مصريتي. فقد شاركت في احدى اهم مظاهرات المثقفين في طلعت حرب للمناداة بحرية التعبير اما غير ذلك فكنت ربما يصادف ان نزلت وجلست في مقهى ريش و هو قريب من الاحداث الجارية انظر من خلال الزجاج، او اقف امام الباب حين تمر المظاهرات او اسير قليلا الى الميدان واعود لكن الميدان اليوم غير ما كان عليه والمطالب اليوم غير ما كنت عليه
ليس من اجل التغيير لكن من اجل حياة افضل وغد افضل ومستقبل افضل، وهذا مشروع ان تطالب به كل البشرية، ومن اجل المؤسسات والدولة وعدم التحيز لدين او شكل او لون والحريات العامة والقانون. هذا ما تصبو اليه الانسانية جمعاء.
اخيرا اود ان اتساءل معك اي موت، اي انهيار للقيم، اي عذاب وألم للبشرية خاصة في عالمنا العربي، ليس له علاقة وطيدة وكاملة بألمنا الخاص. نحن لاننفصل ثقافيا ونفسيا عما يحدث وحدث من قتل واغتصاب وهدم وتقطيع منذ فلسطين وانتهاء بسوريا. كم القتل والعنف والتشتيت والعجز يخلق الالم يا عزيزتي فهل نستطيع ان نغض الطرف عما يحدث هنا او هناك المخيمات، الموتى. اين نحن من قيم الانسانية، من التراحم والوعي بالاختلافات والترابطات هل شكل الدم المسفوح والجثث الملقاة في الطرقات واصابات العيون في كل هذه البلدان لا يمت لنا بصلة. هل الجوع والفقر والعذاب لا يشكل حزنا خاصا بمجتمع الثروات. ان اعلاء قيمة الالم له علاقة متأصلة باعلاء قيم التعذيب والعنف والدماء والقسوة وسهولة الموت مقابل هدم قيم الرحمة والتآزر والمحبة كم نحن قد بعدنا كثيرا عما ننادي به يا صديقتي العزيزة…

 

( السفير الثقافي )

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *