فلورانس إسحاق تحتاج إلى قليل من الحبّ قبل الرّحيل



 عن منشورات “إيشابي بال”، صدر مؤخّرا في ثلاث لغات إلى جانب الفرنسيّة اللّغة الأمّ ديوان “فقط قليل من الحبّ قبل الرّحيل ” لصاحبته الفرنسيّة فلورانس إسحاق.

37 قصيدة توزّعت على 170 صفحة من القطع المتوسّط وقد قام بترجمتها إلى العربيّة الشّاعر التّونسيّ يوسف رزوقة وإلى الإسبانيّة الشّاعرة مارغاريتا غارسيا ألونسو وإلى الانجليزية الكاتبان تيك تشاركازوف وأنريكو مانياني.

في رسالة لها إلى القرّاء، تحدّثت فلورانس إسحاق، قائلة:

“يبدو ضروريّا تسليط بعض ضوء على هذه القصائد المكوّنة لمجموعتي الشّعريّة (فقط قليل من الحبّ، قبل الرّحيل).

في هذه المجموعة، أتابع الخيط الأحمر إلى حيث النبع كي أهبكم قصائدي الأولى، قصائد مراهقة وامرأة شابّة، عاشقة.

في منتصف الطريق من حياتي، أحسّ بأهمّيّة الكشف عن هذا الخواء الدّاخليّ كفرض ذاكرة وكرغبة متعذّر كبتها في الاحتفاظ بانفعالات غابرة.

خلاصة كياني تكمن في هذه الذّكريات وفي هذا التّأرجح الدّائم المجبول من الظّلال والأضواء.

الأنا هي الآخرون. ملاك وشيطان. الكلمات بسيطة ومختزلة مسكونة برغبة عميقة في الذّهاب إلى الجوهر. أقرّ هنا بإرادة عنيفة لإيجاد اللّفظ الصّحيح دون زخرف أو قيد. أفرغ، أسطّر، أحلّل هذه الأنا (الحادثة) المهملة في رعب الحياة. تبدو اللّغة مفرطة وعصابيّة أحيانا . لا تساهل في التعرّي ولا مجاملة.

بدءا، يعلو صراخ فتاة جريحة. أيّ معنى؟ أيّ هدف؟ سؤال لا ينتهي والحياة مدركة كغموض وكسخرية تؤثّثها الوحوش والخدع الشرسة. ثمّ إن القصائد المنكّل بها في البداية تترك مكانا في النهاية للانبهار بالأشياء وتنفتح على الأمل. من الهلع الطّويل والعذاب، ينفرض السموّ نحو الأبديّ، الحقيقة، الجميل، الجيّد كرهان لا غنى عنه. ينفتح الباب على معنى المعنى، ينشد الفنّ، في حبّ لانهائيّ يجمع كلّ الكائنات.

والآن؟ لم الحاجة إلى العودة إلى الوراء؟ ما الذي تغير في كلمات الماضي هذه والتي ترقص في رأسي وتمسّني في عمق أعماقي كحصيّات تقتفى على مسلكي؟

ماذا تبقّى أيضا لنكتبه ولنقوله؟ الحقيقة تنفرض كبديهة في سكينة داخلية، كبيرة.

أن العالم في ذاته. وأن الأنا في حركة دائبة. وأن الطريق طويلة من أجل الخير والجمال. أن العمل، للعيش والتفكير، لن يتوقف أبدا. أن السعادة مدينة لهذه اليقظة في كنف الوعي التامّ بالبحث الدائم عن سعادة تمنح للذات وللآخرين..”

* ليلة بيضاء مع الورقة البيضاء

أمّا الشّاعر التونسيّ يوسف رزوقة الّذي أهدته الشّاعرة كتابها في مهرجان “أصوات المتوسّط” بلوداف بفرنسا فقد استهلّ ترجمته لديوان “فقط قليل من الحبّ، قبل الرّحيل” بكلمة أولى جاء فيها:

“فقط، قليل من الحبّ، قبل الرّحيل، هذا يعني فلورنس، فقط، قليل من الحياة، بعد الرّحيل. أن تكتبي، يعني، بكلّ بساطة، أن تضحكي بعمق. فمن فرط الضّحك، ينتهي القلب مفتول العضلات. يزهر النصف الأعلى للجسد وتومض في العتمة العينان. أن تكتبي، يعني أن توصدي الباب في وجه العالم كلّه كي تقضّي ليلة بيضاء مع الورقة البيضاء.

الطّقس جميل حتّى أنّ غراب إدغار ألان بو غادر للتّوّ المكان، الرّوح والنّصّ بذريعة قلب الصّفحة وهو يطلق نعيقه الأخير تحت سماء من نحاس.

وختاما، يقول رزوقة، إنّها غبطة أن تكوني. يكفي أن تتألّمي كما ينبغي وأنت تكتبين الجسد. الشّعر وحده – هذا المقطّر من كتابة ما ومن حياة ما – بوسعه أن يهبنا قليلا من الحبّ والرّغبة في أن نعيش طويلا”.

تبدو قصائد فلورانس إسحاق مختزلة ومكثّفة، تخاطب الوجدان في غير حذلقة لغويّة أو إسهاب. سبق للشاعرة أن أصدرت “أوصيك خيرا بأحلامك” 1993، “صدع” 1999، “الطلقات الثلاث” 2009 .

• من مناخاتها الشّعريّة:

• أن أكتب

أن أهدي صورا

أن أهدي موسيقى

أن أترك هذا الألم

الّذي يضرب في العمق منّي

أن أهرب من هذا الخدر

الّذي يغزو حواسّي

هو الامتلاء إذن باللّحظة

هو اللاّنهائيّ بلا نهاية

مشنوقة إلى الزمن

حمّى منقذة

تمدّد وانتظار

في قلب الموجة

كلمات للانتشار

• بحث

الآلة تدور، تدور لتترك بصمتها على كلّ كائن وعلى كلّ شيء. أنظر، أرى، أصغي وإذ يتلبّس بي الخيال ويشطّ بي، أشعر أن كلّ شيء خطأ وأسكر بعطر لا يأتي من شعور أليف، كيف أعرّفه؟ له عبق غريب يجعلني على غير ما يرام لكنّه لا يتركني في حالي. ينبغي دائما شرح الرّوح أو المادّة الّتي تعتمل فينا أو فإنّ القلق أو السّعادة الحاصلة تنتهي غريبة وغير ممكنة في عالم كلّ شيء فيه عاقل وأملس. ولكن كلّ شيء هباء ولم يبق شيء كي أتحدّث لوحدي في الفراغ. أعرف جيّدا (لعلّني أؤمن كثيرا بالأمل) أنّ كلّ هذه النّظرات الكئيبة ليست في الواقع سوى انعكاس لوجهي هذا وهو يصرخ ويبحث هناك (هل من وجود للهناك؟) عن جواب.

• خطوط داخليّة

الصّفحة البيضاء تخيفني ولا أفلح في استساغتها إلاّ متى روّضتها بالكامل. هي تجاسدني وإلى مناطق ساخنة ومريحة تجرّني. أنظر المسافة المقطوعة. تسرّني. مع أنّها غير مستقيمة بل ملتوية ودائما مقطوعة بفكرة لي مشوّهة. يوم بلون البرتقال، وأنا أمشي. في النّهاية، قد يكون الأمر سهلا جدّا أو معقّدا جدّا، في آن. شطط الأشياء انتهى سخيفا: أن تعرف، أن تخلط، أن تصغي، أن تتكلّم، أن تكون قليلا، أن تظهر، أن يتبادل حبّ. جرعة دواء في ماء علقم. فعل انفجار بات بديهيّا. أين يكمن اللاّ متوقّع؟ لا شيء يبعث على الغرابة. غالبا ما أتخيّل… إنّه الأجمل.

لحظة حياة مفاجئة، فرقعة رهيبة، ألف جنون منفجر. تتركّز عيناي وأحلم. سعادة تمضي.


( ميدل ايست اون لاين )

شاهد أيضاً

فصل من سيرة عبد الجبار الرفاعي

(ثقافات)                       الكاتب إنسان مُتبرع للبشرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *