فى إنتظار غرام مع رأس السنة




( ثقافات )



مرّ العام دون أفراح ;  كانت الخيبات كثيرة ونحن نطوي صفحاته، ونودع عاماً ساخنأ لم تمسه أي  برودة حانية، وكنت معه أطوي جناح حزني الكبير حول جثتي الضئيلة، وجسدي الذى صار نحيلأ ، معه ودعت بكارتي لتفتح لي نافذة جديدة لوعي مؤلم ومفرح فى نفس الوقت. سنوات من الجنون ذرفتها وما زلت قادرة على إهداء الحياة مزيداً من الجنون; فأنا إمراة تحب التجارب وتكره الأقدام التى تتشبث بالأمان المفرط وبالطرق الممهدة بالحكمة الحذر. مع رأس السنة الجديد لم أعد أنعى حظيَّ المتعثر فى شهوره الفائتة فأنا الآن قادرة على كتابة حظ جديد من صنعي ومشروع من كياني حتى لو امتص من جسدي الكثير فلدي الجرأة الكاملة للدفاع عنه .
من لا يحب المغامرة فلا يتبعني، ولكن عليه توديع الحرارة والاحتماء فى بياته الشتوي، واستعارة صدفة سلحفاة ليغطي بها ظهره ،فظهري يرحب بالسهام المندفعة ولا يتوجع من الدماء الذى تندفع فى سلسلة ظهري لأن معه ينهمر صمودي كعسل نحل الملكات، ومن يخاف من شكي فعليه قراءة سورة الفاتحة لتحميه من الأسئلة الصعبة التى لن يقوى على تحملها ، ستتوجسون من كلامي وأرى فى أعماق نفوسكم خوفا مستترا
; يا أحبائي، لا تخافوا فمثلي ودع الإيمان الجاهز والمسلمات واختار بإرادته الحرة البحث بنزعة استشهادية تخصه عن الخالق ، ومع كل رأس سنة جديدة يكتشف الله ويرى صورته أجمل من كل تصوراتكم عنه .يرمي همومه على القادر وهو يصرخ له: ” تكلم حتى أراك “، فيبعث القادر برسائله فى الأحلام وهو ينادي علي بصوت من ملائكته أنّهُ  يراني بوضوح أكثر مما أراه . أنتفض من الأحلام بسعادة المؤمن وأجدد له الصراخ والشك فى كل عام وأعرف أننى يومأ سأصل إليه دون حاجة لصرخات متتابعة .
لم أعد أنتظر بابا نويل وهداياه .ففى كل عام جديد أكتب بضع صفحات عن نضوجى وأحضر (تورتة الآيس كريم) بنكهة المانجو ،وألتهمها عن آخرها وأكتب لنفسي بضع كلمات تخاطب ذاتي التى ستشارف على توديع الثامنة والعشرين بعد شهور، وأنا أضحك بسخرية على السنوات التى مضت، وأنتظر الثلاثين بفارغ الصبر حتى أرى كيف تغيرت لون كلماتي
.
أنا أنثى يغريها الشيب وتحب الشعيرات البيضاء فى رأس الرجال لذا تذوب عشقأ فى “محمود قابيل ” لأنّ كل شعرة بيضاء فيه تحيلها لذكرى أب فقدته وهى تتلمس الطريق للحياة فظلت تفتح أبوابها لرجال الحكمة ولم تنهزم من الشوك الذي زرعه أحدهم ذات يوم فى قلبها ليستحث براءتها على الفجر، وهنا أيقنت الخديعة فصفعته على رأسه وقالت له ” إرحل يا قذر” وتعلمت بعده أن ليس كل رؤوس الرجال التى تتسللها شعيرات بيضاء تشبه حنو شعيرات أبيها
.
لكنها مع كل رأس سنة تفتش عن رجل به شعيرات بيضاء لتهديه بعضأ من حنانها وتصادق العجزة، وتحب مشاهدة فيلم ” بنجامين ” وهى ترى كيف يغري الطفل الذى ولد مشوهأ وعاجزا الصبايا، وكل واحدة تجرب حضنه لا تستطيع نسيانه ولم تسلم واحدة منهن من الغرام بوجهه المشوه القبيح الذى يثير سخرية الرجال ….أليست الأنثى هى المخلوق الراقي القادر وحده على التغزل بوجه قبيح
!! 
وأنا مثلهن أحب “بنجامين” ولا أعير سخرية الشباب اهتماماً وهم يسخرون منه بتأفف “ألا يجدن غير هذا القبيح ليقعن فى غرامه “، فلا أجد ردأ على تفاهتهم سوى الصراخ فى وجوههم :” تباً لكم جميعاً

مع كل رأس سنة جديدة أنتظر رجلي. رجل ليس له ملامح “ليوناردو دى كابريو” الذى أكره بياضه ولكنني أتطلع لرجل يحمل وسامة “عطيل ” وهو ينظر إلى ديدمونة بشغف.أخرج من مكتبتي لوحة بيضاء كبيرة وأرسم فوقها ملامح رجلي ونحن معأ، على مركب أرسم له أشرعة  كبيرة كما كان يرسمها لى أبي فى الماضي وهو يحثني على المغامرة وإقامة رحلة حول العالم كما قام بها أنيس منصور ويدفعنى نحو تحقيق حلمه الذى لم يستطع تحقيقه.
قميص أبيض شفاف أعلقه فى دولابي يستفز ذهني إلى الخروج لرؤية العالم ولكنني  مع كل عام جديد أضرم فى بياضه الصبر وأهمس له بخجل ” لم يأت رجلي بعد فعليك الصبر “. أفتح صفحات أصدقائي على ” الفيس بوك” مع كل رأس سنة جديد وأنقر
“delete” لغيرالحقيقيين والمملين منهم وأخرج لهم لساني وأنا أضحك بقوة:”أراكم فى أبدية أخرى “، وأتلصص من بعيد على صفحات بعض الأصدقاء لأكتشف منهم من كان فى دائرة التجاهل من جانبي لأعيده مرة أخرى لي وأنا أنتشي من الفرحة للبحث عن أصدقاء جدد غيرتهم الحياة وصاروا مغامرين ويستحثون ذاتي على الدهشة.
فى كل عام جديد أودع أحزاني وأحزان وطني وألامس بيدى صفحات بيضاء بكر لأكتب عليها كل ما غيره الزمن وصار أحلى
………. 

* كاتبة من مصر

شاهد أيضاً

كأس وظلال

(ثقافات) كأس وظلال عبد القادر بوطالب تلك الظلال التي طوت تفاصيل أجفاني سارت خلفي ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *