صاحب العبقريات يواجه اتهاما صريحا بالكفر


محمد شمروخ

فيما يبدو أن العبقريات الستة‏,’‏ عبقرية محمد‏’‏و‏’‏عبقرية المسيح‏’‏ و‏’‏عبقرية الصديق‏’‏ و‏’‏عبقرية عمر‏’‏ و‏’‏عبقرية الإمام‏’‏ و‏’‏عبقرية خالد‏’,‏ وما كتبه العقاد من كتب دافع فيها عن الإسلام شريعة وعقيدة‏ لم يشفع له عند بعض رموز اتجاه معروف برفضه لكل من لا ينتمي إليهم, إلي حد أن باحثا لن نذكر اسمه حتي لا يتحقق غرضه إن كان يبغي الشهرة علي أكتاف العقاد- وجه اتهاما مباشرا للعقاد بـ’الخروج من الملة’ بل والتآمر علي الإسلام.
والمفاجأة.. اتخاذ الباحث- الذي يصف نفسه بالسلفي- من عنوان كتاب’ عبقرية محمد’ دليلا علي كفر العقاد إذ أنه يري أن إقرار العقاد بالعبقرية للرسول الكريم’ صلي الله عليه وسلم’ هو إقرار بالكفر ونفي لنبوة محمد’ صلي الله عليه وسلم’ ورد أعماله إلي قدرات بشرية لا إلي الوحي الإلهي الذي لا يري الباحث فيه أي أثر للعبقرية أو السمات الشخصية.
وكذلك الأمر بالنسبة لبقية العبقريات, إذ رأي الباحث السلفي, أن الصديق وعمر وعلي وخالد’ رضوان الله عليهم’, لا يصح وصفهم بالعبقرية, لأن أفعالهم وأقوالهم التي نسبها العقاد لعبقرياتهم, جاءت فقط لاتباعهم ما جاء به محمد’ صلي الله عليه وسلم’.
والحقيقة أن ما ذهب إليه الباحث لم يكن جديدا, إذ بدأ في حياة العقاد نفسه, لكن كل الذين اختلفوا مع العقاد, لم يشر منهم أحد من قريب أو بعيد إلي عقيدته أو الطعن فيها رغم شراسة ما وجه للعقاد من نقد.
وفيما يبدو أيضا أن الباحث لم يقرأ مقدمة كتاب’ عبقرية محمد’, حين كتب مبينا كيف كان هدفه تقديم شخصية النبي لغير المسلمين وتحليل الشخصية وبيان أوجه عظمتها وعبقريتها لمن لا يؤمنون به ولا بالوحي وإقامة الحجة بمنهاج عقلي هم أنفسم يعترفون به.
كما أن الطرح المقدم من الباحث دفعه لأن يجعل العبقرية مضادة ومتناقضة مع الوحي وهي رؤية خاصة به لا يمكنه فرضها فرضا علي عقلية القاريء وجعلها مرجعية لتعريف العبقرية وبناء موقف منها بالقبول أو الرفض.
وكأن العبقرية المتمثلة في القدرات والاستعدادات النفسية والذهنية الخاصة لقبول الوحي, تهمة تنقص من قدر المتصف بها, وهذا التناقض المطروح من قبل الباحث يدخلنا في متاهات لا طائل من ورائها ولكنها تبين النية المبيتة للخروج بنتيجة تضع العقاد في عداد المارقين.
ولم يبين لنا الباحث كيف تنتفي العبقرية عن شخصيات عظيمة مثل عمر والصديق والإمام, لمجرد فرضية تناقض العبقرية مع مبدأ’ الاتباع’, ذلك الاتباع الذي جعله العقاد في شخصيات عباقرته, مظهرا من مظاهر العبقرية نفسها, بل وجعل مفتاح الشخصية في عبقرية الصديق هو إيمانه ببطولة محمد’ صلي الله عليه وسلم’ واتباعه له.
لكن الذي يتضح هو أن مفهوم الاتباع الذي طرحه الباحث غير مفهوم العقاد لعبقرية الاتباع, فالاتباع الأعمي هو سمة من سمات الفكر المتحجر المتسم بالصمم والعمي والذي ينهي الإسلام عنه نهيا قاطعا في كثير من آيات القرآن الكريم لا سيما في آية نزلت في صفات المؤمنين{ والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا}( الفرقان:73), فأي حديث بعد هذا البيان عن وصف القرآن للمؤمنين.
ولا حاجة لنا لمناقشة( أدلة) كفر العقاد التي جال الباحث بها بين صفحات كتبه, لا سيما الإسلامية منها, ويكفي لتوضيح تعمد الباحث- ومن لف لفه-, أنه اعتبر العقاد قد أجرم في حق النبي الكريم, عندما قارن بين الخطط العسكرية في الحروب وبين خطط نابليون’ الصليبي’ أو بين منهاج النبي في دعوته الناس وبين منهاج غاندي’ عابد البقر’ كما يصفهما الباحث- إذ كيف يقبل مقارنة بين محمد’ صلي الله عليه وسلم’ وبين كافرين فرنسي وهندي؟!.
وهذه الأفكار عن العقاد وتصويره بالمعادي للإسلام, لم تزل منتشرة في أوساط معروفة, حتي أن كبيرا لهم وصف العقاد بأنه’ جاهل بالشريعة’, وآخر قال إنه ليس للدين أثر في حياته.
ولسنا بحاجة إلي الدفاع عن عملاق الأدب العربي, فمعاركه الفكرية وكتبه نطقت بما قدمه للإسلام حينما تصدي لدعاوي بعض المستشرقين في محاولاتهم الطعن في الإسلام ونبيه, في وقت التزم فيه الجامدون جحورهم ولم نر منهم من دافع دفاع العقاد, مكتفين فقط, بتوزيع السباب لكل من خالفهم واتهاماتهم المجهزة من الفسوق وحتي الكفر


( الأهرام )

شاهد أيضاً

فصل من سيرة عبد الجبار الرفاعي

(ثقافات)                       الكاتب إنسان مُتبرع للبشرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *