القاتلة المحبوبة:رواية أولى لفرنسية تحقق شهرة واسعة



الطيب بشير

 
هذه الرواية هي الأولى للمؤلفة الفرنسية جوليا داك J lia Deck، ولكن هناك إجماعا بأنها صنعت الحدث الأدبي في الأوساط الفرنسية المهتمة بالفكر والثقافة. ونادرا ان يهتم النقاد بالرواية الأولى لأي كان، ولكن المؤلفة جوليا داك مثلت الاستثناء، أولا لأن دار نشر عريقة وجديّة ولها سمعتها قبلت نشر روايتها الأولى، وغامرت بطبعها حتى ان الروائية اعترفت بأنها ولشدة فرحتها فإنها لم تنم ليلة توقيعها العقد مع دار النشر المذكورة، وثانيا لأن أحداث الرواية شكلت مفاجأة، فالبطلة في القصة وهي في الأربعين من العمر تقتل طبيبها النفسي الذي كان بصدد معالجتها، وهو موضوع يشد القارئ لغرابته وندرته.

وككل روائية مبتدئة فإن المؤلفة وعند انتهاء مسودة قصتها الأولى، منذ عامين أرسلتها لثلاثة دور نشر مختلفة، ولكنها لم تحظ بالقبول ولم توافق أي من دور النشر الثلاثة المغامرة بنشرها، خاصة وان المؤلفة مبتدئة ولا اسم لها في الساحة الأدبية. وهي تحتفظ لحد الآن برسائل الرفض الجافة التي تلقتها، ولكن هذه المرة وبعد رفض دور النشر لمحاولتها الأولى اختارت موضوعا مختلفا وقد فوجئت جوليا وهي ترسل مسودة روايتها لأحد أعرق دور النشر الفرنسية وهي دار “مينوي” Min it (منتصف الليل) والمعروفة بصرامة القائمين عليها وجديّتهم المفرطة بقبول نشرها، علما وأن هذه الدار لم تقبل منذ عقود نشر أي رواية أولى لأي كاتب مهما كان.

والحقيقة أن دار النشر فرضت على الروائية إعادة كتابة بعض الفصول، وطالبتها بحذف البعض الآخر، وأوصتها بأن تعيد صياغة بعض الفقرات، وبعدما تم ذلك فعلا برضاء الطرفين نشرت الدار الرواية تحت عنوان “فيفيام اليزابت فوفيل” Viviane Élisabeth Fa ville وهو اسم بطلة الرواية.
 
وحال صدورها أثارت الرواية انتباه النقاد واهتمامهم، فالبطلة تنتمي إلى الطبقة البورجوازية المعروفة بصلابتها ولكنها في هذه الرواية تبدو امرأة هشة نفسيا وهي تعاني من انهيار عصبي، وتنتهي باغتيال طبيبها النفسي بطعنه بسكين.

تبدأ الراوية بالإشارة إلى أن البطلة هي امرأة حديثة الطلاق، ورغم أنها لم تتجاوز الأربعين من العمر فإن إحساسها بأنها تقدمت في السن أصبح ينهش كيانها، ولم تعد لها بسبب ذلك رغبة في العمل، وفقد الزواج والعمل لديها كل معانيهما. وأصبحت المرأة فريسة حيرة وجودية وفقدان لمعنى الحياة ونكهة العيش.

ومعروف ان البورجوازية الفرنسية تتمسك بالزواج كمؤسسة، وبالعمل، وبالأسرة والأطفال، وهذه المرأة فقدت عنصرين من عناصر تماسك الطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها، وبذلك انهارت واضطرت إلى اللجوء إلى طبيب نفسي لمعالجتها.

ولإضفاء جو الدراما على الرواية فقد أدخلت المؤلفة عنصر المال حتى تبتعد عما يسمّى “الرواية الوثائقية” من خلال حديثها المطوّل عن العلاج النفسي، وقد طالعت الروائية العديد من الكتب المختصة في علم النفس وهي تعترف بأنها كتب مملّة، وقد وجدت في كتب صاموئيل بيكيت أفضل من تحدث عن الجنون.

ويمكن تصنيف الرواية أيضا كرواية بوليسية، إذ ان الطبيب النفسي يوجد مقتولا بسكين في بطنه، والشرطة أخذت تبحث عن المجرم، ويتخلل ذلك عنصر التشويق على غرار كل الروايات البوليسية الكلاسيكية، حيث لم يتم بسهولة الكشف عن القاتل.

أما العنصر الثاني الملفت فهو ان الروائية اختارت بطلة من الطبقة البورجوازية الفرنسية، وهي طبقة لها تقاليدها ولها قيمها الثابتة، ولكن البطلة هنا فقدت بوصلتها بعد ان طلقها زوجها وتركها وهي أم لرضيع. ومن خلال هذه الحالة فإن الروائية تقدم صورة جديدة للمرأة البورجوازية الفرنسية، فالبطلة تعيش تحت ضغط نفسي كبير الى حد انها كادت ان تصاب بالجنون، وقد تعمدت الروائية تقديم هذه الشخصية المنتمية إلى طبقة اجتماعية معروفة باستقرارها النفسي والاجتماعي والقيمي والمالي، لتقول ان المجتمع قد تغير ولتثير لدى القراء تساؤلات كثيرة وتدفعهم الى التفكير في التحولات الاجتماعية التي يعرفها المجتمع الفرنسي، فالروائية هنا هي بمثابة المنبه من خلال تصويرها لحالة الحيرة والخوف والجزع التي مرت بها البطلة.

وبرعت المؤلفة في وصف شوارع باريس وأزقتها وساحاتها ومبانيها ومعالمها، من خلال متابعة المرأة في رحلتها التائهة وقد سكنها الشعور باليأس والضجر. وقد أجمع النقاد على ان الرواية مهيئة من خلال أسلوب السرد والوصف فيها للتحول بيسر الى فيلم سينمائي.

وقد صدرت الرواية يوم 6 سبتمبر الماضي، وتقع في 150 صفحة، وقال النقّاد إن المؤلفة نجحت في تقديم صورة مجرمة يتعاطف معها القراء، وقال حول ذلك إنه أثناء مطالعته للرواية كان يشعر بالقلق كلما اقتربت الشرطة من إلقاء القبض على المرأة، وأضاف انه كان يأمل في أن تفلت البطلة من العقاب والا تنجح الشرطة في الوصول الى كشف جريمتها .

( الاتحاد )

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *