ماذا اضافت القصيدة لسؤال الدم؟


عبد الوهاب الملوح

 بعد عامين من خروج التونسيين مطالبين بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ؛ بعد عامين من اندلاع أول مواجهات حقيقية بين النظام وجيوشه الأمنية وترسانة أسلحته وما انتهت إليه من هروب بن علي وبعض إتباعه وإجهاض السياسيين لثورة كان من الممكن ان تعيد السلطة بأكملها للشعب بعد عامين من الدم والانفلات الأمني والحزن المزدهر؛ بعد عام أيضا من الكذب الفاضح المفضوح وادعاءات الثورة يوما بعد يوم تتأكد فضيحة الاستيلاء على الثورة وتحويل وجهتها بما جعلها غنيمة حقيقية للكثير من الانتهازيين السياسيين وأصحاب الدكاكين الإيديولوجية ممن يبيعون الريح للمراكب ويستولون على أحلام الناس البسطاء.
يوما بعد يوم يتأكد ان هذا الحراك الشعبي المتدفق الذي اندلع يوم 17 ديسمبر 2010 لم يكن مدعوما بحراك ثقافي يوازيه في ردة الفعل وينسجم مع ما يحققه من تغيرات ثم يسبقه ليؤطره ويستشرف مستقبله فيرفده ويعززه ؛ طالما ان الشأن الثقافي بقي بمعزل عن كل تغيير سواء على مستوى التهيكل أو مستوى التنظير او الإبداع فلا يمكن انتظار نتائج حقيقية مغايرة ومختلفة تقلع جذور السابق وتزرع بذور التغيير الحقيقي. وما يحدث في تونس ما بعد هروب بن علي لا يؤكد ان شيئا حقيقا تغير لا في العمق ولا حتى على السطح وربما ازداد الأمر سوءا، فأخيرا وبعد عامين طلعت علينا اللجنة العليا لجائزة ‘أبي القاسم الشابي’ في ختام دورتها الخامسة والعشرين التي ينظمها البنك التونسي بأسماء الشعراء المتوجين لهذه الجائزة أصحاب الأسلوب الكلاسيكي في الكتابة الشعرية ؛ القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة. ولعل اللجنة رأت أن تسند الجوائز وفق المضامين الثورية للقصائد وكما لو أن الشعر عموما لم يكن يوما ثوريا ولم يكن في جوهره كتابة متمردة تنحاز للقيم الإنسانية العليا ومبادئ الحرية والكرامة وعزة النفس والتحرر عموما، كما لو ان الثورة في الشعر تبدأ وتنتهي بكتابة عبارات ثورية وفق موازين وبحور مضبوطة في إطار موضوع واضح محدد.
فالشعر في تونس لكي يكون ثوريا عليه أن لا يشق عصا الطاعة على الخليل وعلى نازك الملائكة، ولكي يكون ثوريا عليه أن يتحدث عن ثورة لم تحدث، ولكي يكون ثوريا عليه ان يمتاز بانحيازه للأسلوب القديم ولا يجرب أو يخوض مغامرة الأسلوب ويقفز في المجهول بحثا عن جماليات أخرى بحيث يتحول بدوره إلى مبحث جمالي لا يكرس الشعر كاستهلاك ومتعة وضجيج كلامي، ولا يخدر القارئ بالتحريض والتعبئة والتسليح الفارغ و..التصفيق، ففي أخر الأمر ‘ماذا أضافت القصيدة لسؤال الدم’، وان لم تكن القصيدة دعوة للنقد والتحليل ولإعادة اكتشاف الذات وتوريط القارئ في مهمة الكتابة والثقافة عموما فبلاش منه.
منذ ربع قرن والبنك التونسي يقدم الجوائز الأدبية في جميع الأجناس الأدبية غير ان اللجنة العليا لم تعدل ساعتها على ما يحدث في تونس،ولم تهتم ايضا بما يكتبه الجيل المتأخر من الشعراء والكتاب وبقيت وفية لمن فاتهم الركب حتى ولو كانوا من انصار النظام السابق ومن التجمعيين الخلص .
 
( القدس العربي )

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *