لا أحد يشبهني …….


إسراء عبد التواب *

الشتاء يدثرني قد لا يمنحني الدفء لكنه حتمأ يفتح لى بابأ على الإحتمالات ،أضم يدى المرتعشة وهى تقبض على كوب من النسكافية الساخن وصوت أنغام يتسرب من نافذة الكمبيوتر بحنين موجع:” قلبك ما عدش ليك ما دام عشقت …قلبك ما عدش ليك ما دام سكنتك “.يلاحقنى صوتها وعيوني المرهقة تبحث عن حلم جديد ووطن أرى فيه أحلامي بقوة .
أحب ليل الشتاء وأنتظر المطر معه كى أنفث بفمي ذراته الناعمة وأرى البخار يرسم لى صورة شبحي الذى يتلاشى بسرعة كما تتلاشى دوائرالدخان المنطلقة من سيجارة آثرة.
يستبد القلق بي ويستبدل مدارأنغام بصوت عبد الحليم حافظ فى غرفة ضيقة تتسع للضجر وللعشق الخائب أرقص بولع على جدار الزمن أهزه بقوة لينطق حكمتة المهلكة ويرحل إلى غير رجعة .لم يعد يهم أن نرقص على الخيبات لكن الأهم أن نرقص على الكلمات .أن تحوي أوراقنا تحرشا سريا قادر على النفاذ لقلوب آخرين. أقلب فى صفحات الفيس بوك ويلقى نزارقباني بتوسله على بروفايل شخص لاأعرفه :”لا تتحرش بورقة وأنت غير قادر على الكتابة ” شاعر الحب والألم يستفز وعيي على الكتابة لنسجل تلك اللحظات التى نخلد فيها لذاتنا لنحاسبها ونجلدها مرارا وتكرارأ ونحن نقلب فى صفحاتها لنستحث الأمل حتى لو قرر الرحيل فى نهاية اليوم ليتركنا فى ليل موحش.
قالت صديقة لي ذات مرة أنها تربى الأمل فى غربتها، وحين يهرب توجه قوتها لمحاصرته ليبقى معها مؤنس فى ليلها الطويل، لكن أوطاننا لا تترك لنا مساحة لتربية الأمل فهى تجبرنا على سحقه كل يوم ألاف المرات ونحن نبحث عن وطن يتسع لجنوننا لا نجد فيه سوى العادي يتربص بنا، وهو ينفخ سمه فى كل الأزقة والحواري وكل الميادين المرفهة ومدائن الثورات .لسنا فى حاجة إلى أمل نحن فى أمس الحاجة إلى أن نكتب .نقاوم النسيان بالكتابة ونقاوم القبح بورود من الكلمات .
أن نكتب هى أصدق من أن نحلم فى زمن تغتال فيه الساسة كل الأماني الممكنة، وأنت تشاهد “الوطن الأكبر ” الذى تغنى به ساحر الألحان محمد عبد الوهاب يتمزق كل دقيقة على خريطة لم تعد قادرا على قراءتها . يتسع الحزن ويطول الأمد وجواز سفر يهيئ لك أنه سيستجيب لو قمت بإستدعائه للهروب من وظيفتك التى تغتالك ببطئ للهروب من علاقة تسجنك فى مدارها لاحبا بل إستسلامأ لعدم البحث عن بديل لأصدقاء يجلسون معك على المقهى ولا يرددون سوى ذكريات تعيسة وخيبات فاجرة .تسمه بصوت قلبك كل هذا التكرار وأنت تصرخ فى ذاتك وشرايينك تبحث عن الدهشة وسؤال يمزقك من الداخل ” يانهار أبيض هوأنا نمت معقول أنا إستسلمت”.يرتفع الصخب من حولك وضلوعك تنفجر من صخب ذاتك الذى لا يكف عن الولادة السلسلة .تكتفى بالصمت ربما حين تجد صوتك غير مسموع وأن آخرين ما زالوا يرسمون لك تنبآتهم لفكرك الذى ينمو ويبتعد يومأ عن يوم ويرسم لك عزلة جديدة .تريد الصراخ على الورق فتسجنك الثرثرة وأنت تقبض على أمتعتك وتريد أن تبصق عليهم جميعأ وأنت تحملها بعيدا وأفواه تتسع من حولك وهى ترمى وراءك سخريتها “مجنون “
تظل الكلمة تؤرقك فى رحيلك ، وصمتك شاهد على الحيرة تذهب إلى غرفتك الصغيرة التى تتسع فقط لأحلامك المجهولة تفتح فيها شهيتك على الكتابة وأنت تقتل أصدقاء قتلوك يومأ ببطئ وتنتقم على الكتابة وتضحك على نفسك وتسميه تطهرا .تحك جلدك القلق وتنزع عنه الإنتماء لهم. وتودع كل ما هو خارج غرفتك وتكتب ذاتك وتدندن معها “لا أحد يشبهنى …لا أحد يشبهنى ”

* كاتبة من مصر

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *