غزة في عين الإعلام الغربي الحولاء


* فخري صالح

يجري تصوير الهجمة الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة في الصحافة والإعلام الغربيين بأنها دفاع عن النفس ضد الصواريخ الفلسطينية التي تهدد حياة المواطنين الإسرائيليين! ويصور هذا الإعلام، المنحاز بصورة سافرة، الوضع وكأنه صراع بين جهتين متكافئتين في التسليح والقوة العسكرية، مركزا على فتحة في جدار أحدثها صاروخ فلسطيني في إحدى البلدات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة، متناسيا في الوقت نفسه عشرات القتلى ومئات الجرحى الفلسطينيين الذين يتساقطون على مدار الساعة، كما يقول المثقف الأميركي العالمي نعوم تشومسكي وعدد من زملائه الغربيين في بيان أصدروه قبل يومين.

ثمة حول في الإعلام الأمريكي والأوروبي يتبع الحول في السياسات الغربية تجاه فلسطين. فهذا الإعلام يردد هذه الأيام أن إسرائيل تدافع عن نفسها وتحمي مواطنيها من صواريخ حماس، متجاهلا الحصار الطويل الممتد المفروض على قطاع غزة منذ سنوات، والغضب والإحساس بالمهانة اللذين يشعر بهما الغزيّون بسبب هذا الظلم التاريخي الواقع عليهم منذ عقود من الزمن، أي منذ قيام دولة إسرائيل على أنقاض حياتهم وحياة إخوتهم الفلسطينيين. كما يردد الساسة الغربيون، بدءا من باراك أوباما العائد إلى البيت الأبيض في ولاية ثانية وليس انتهاء بالرئيس الفرنسي الاشتراكي فرانسوا هولاند، أن من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها!

ينسى هذا الإعلام، أو أنه في الحقيقة يتناسى، أن قطاع غزة مازال أرضا محتلة رغم الانسحاب الإسرائيلي الوهمي الذي أبقى غزة مراقبة من البحر والجو والبر، لتصبح فيها الحياة شبه مستحيلة. يتناسى هذا الإعلام، وتلك السياسة الرسمية الغربية الحولاء، معاناة أهل غزة والغضب الذي يشعر به أهل غزة، وحقهم بالمقاومة الذي تكفله القوانين الدولية. وهو بالمثل يتناسى أن الضفة الغربية أرض محتلة مقطعة بالمستوطنات التي تجعل من أمر إقامة دولة فلسطيينية، بلا حول أو طول، شيئا مستحيلا. ثمة ظلم تاريخي وقع على الشعب الفلسطيني ينبغي رفعه لا التمادي فيه، وهذا ما تفعله إسرائيل كل يوم، بإنكارها حقوق الفلسطينيين ومصادرتها لأراضيهم، واعتدائها اليومي على قطاع غزة، وحصارها الطويل الممتد الذي ينهك أهل غزة ويجعل حياتهم مستحيلة.

لكن المرض العضال الذي يعانيه الإعلام الغربي، كما السياسة الغربية، يمتد للأسف إلى بعض العرب، وبعض الإعلام العربي الذي نسمع فيه أصواتا حيية تضع اللوم على حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة متهمة إياها بإشعال فتيل الصراع الحالي! وهذا إن دل فإنما يدل على استفحال الداء في جسد بعض الإعلام العربي الذي يظهر بمظهر من يجهل تاريخ القضية الفلسطينية، والأسباب الفعلية التي تدفع الفلسطينيين في غزة للرد على الضغط الإسرائيلي المتواصل على عيشهم اليومي.

ما نحتاجه هذه الأيام هو أن نسعى إلى إيصال رواية مختلفة إلى العقل الغربي، وإلى بعض العرب (للأسف)، فيما يتعلق بما حدث ويحدث وسوف يحدث من جرائم إسرائيلية هدفها القول للفلسطينيين: إنسوا فلسطين. لقد قال المجرم إرييل شارون قبل سنوات «حرب 1948 لم تنته»، وما يفعله خليفته وتلميذه النجيب بنيامين نتنياهو هو مواصلة لهذه الحرب من أجل القضاء على فكرة فلسطين في أذهان البشر جميعا، ومن ضمنهم الفلسطينيون. والمعركة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة هي حلقة في سلسلة متواصلة من حرب الإبادة والتطهير العرقي ومحاولة القضاء على فكرة فلسطين. ولذلك فإن مقاومة الغزيين هي محاولة مقابلة للإبقاء على هذه الفكرة التي ناضل الفلسطينيون على مدار قرن من الزمن لكي تبقى رغم اختلال موازين القوة في هذا العالم الأحول الذي ينتصر للمعتدي ويسميه مدافعا عن النفس

 ( الدستور )

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *