أخوات شهرزاد الأردنيات يتخطين حواجز القلق




محاسن الحمصي- عمان

يشهد الأردن زخما ثقافيا غير مسبوق في فعاليات ونشاطات ومطبوعات لا تعكس الركود الاقتصادي والمعيشي والسياسي الذي يمرّ به نظرا لموقعه الجغرافي بين الأحداث والثورات المحيطة به، إن كان على الجانب السوري أو العراقي أم مع الاحتلال الإسرائيلي، حدود الأردن مضطربة، لكن حدود الكاتبة الأردنية تتخطى حواجز القلق والحالة العامة والخوف، وهاهي تقود ثورة ثقافية وفكرية وأدبية تبرز في الساحة الأدبية وتصعد نحو نجومية تضيء سماء الأمل في إبداع يتناول قضايا الوطن والطفل والمرأة والربيع العربي.

لجأت الكاتبة إلى تحرير القلم من الضغوط، وفك الحصار عن قيود دامت زمنا طويلا لم تكن تستطيع التعبير خلاله عن كونها امرأة قادرة على أن تكون فقط ربة بيت وزوجة وتابعة للرجل، فخلعت ثوب التبعية وارتدت ثوب امرأة مستقلة تحقق ما تصبو إليه عن طريق الإبداع، وتفوقت على الرجل في إنتاج أدب نسوي يضاهي الأسماء الكبيرة في الرواية والقصة القصيرة والشعر.

ولعل الحرية التي تتمتع بها الكاتبة في الانفتاح على العالم تكنولوجيّا، وتواصلا عبر الانترنت واستقلاليتها في العمل ومساندة الرجل والدعم الذي تجده من المجتمع كان سببا من الأسباب، والإقبال من القراء منحها الثقة بأن تستمر، وأن تجد المتنفس في إنتاج أدبيّ مدروس وشفاف وبمستوى يؤهلها لتحرز جوائز وتنال قسطا من الشهرة والاهتمام من الإعلام الأردني والعربي والغربي، أمثال الروائية سميحة خريس وليلى الأطرش وبسمة النسور وسامية العطعوط ورفقة دودين وهدى أبو الشعر ومحاسن الحمصي وعايدة النجار.

* حنان بيروتي: الكتابة عطش البوح

الكاتبة حنان البيروتي نالت جائزة أفضل مقالة عن الأديب الراحل محمد طملية، إضافة إلى جائزة “ذكرى الغريب” الصادرة عن دار أطلس في القاهرة. وفازت بجائزة أفضل مجموعة قصصية في مسابقة مركز عماد علي قطري للإبداع والتنمية الثقافية، وكانت فازت سابقا بجائزة مهرجان البجراوية للإبداع النسائي العربي الأول- السودان في القصة القصيرة 2005، وبجائزة ناجي نعمان الأدبية العالمية-الإبداع، وبجائزة الحارث بن عمير، المركز الأول في القصة القصيرة، وبمسابقة قصص على الهواء التي تقيمها مجلة العربي بالتعاون مع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” لخمس مرات في قصص”حكاية الظل” و”وجه” و”جاذبية” و”أرقام”.

وعن الكتابة تقول:” الكتابة عطش للبوح متجذّر في عروقي، والكلمة شكل مهذب للصراخ وللاحتجاج ولإعلان الجمال أوالقبح، مساحة لروحي كي تتفيأ من وهج الحياة القاسية بجمودها، حياة موازية لما أعيشه في تمدني بالقوة وتزرع في نفسي الرضا وتساعدني على الاستمرار. القدرة على الدمعة والابتسامة معجزة في زمن البرود والخلخلة القيميّة والفراغ الروحي والانسلاخ الضميري المخيف، الكتابة إعلان لحياة تخلق داخلي تعلن عن وجودها كما الوليد، عبرها أتنفس الهواء الذي أريد وأؤثث شرفة الروح للبوح بما أريد.

الكتابة شكل من أشكال الخلاص، وهي قرع لا يهدأ ولا يستكين على باب الحياة، بحث عن إجابات لأسئلة لا تنتهي وقوف في وجه القسوة ورفض للسكوت السلبي.

الكتابة إعلان للرفض وتمرّد على قسوة الواقع وجموده وهي منفذ وخلاص وأم تحضن في كلّ الأوقات لا تطلب منك تبريراً ولا موعدا للحديث والبوح، عالم فسيح لا يضيق بالدمع ولا الفرح، الكتابة ضجيج داخلي أوصله بالكلمة، للكلمة أجنحة تحلق بالروح إلى مساحات من الحرية لا تتيحها الحياة الضيقة حدّ الاختناق.

* بسمة النمري: لماذا أكتب يعادل لماذا أحيا

بسمة النمري قاصّة وفنّانة تشكيليّة أردنيّة متفرغة للكتابة والرسم، تخّرجت من الجامعة الأردنية، كلية العلوم بدرجة بكالوريوس رياضيّات معاصرة، درست في معهد تدريب الفنون الجميلة التابع لوزارة الثقافة، وتخّصصت في فن التصوير”الرسم”، ثم في فن النحت الخزفي لاحقاً.

وهي عضو في رابطة الفنّانين التشكيلييّن، شاركت في عشرات المعارض الفنيّة داخل الأردن، في صالات العرض العاّمة والخاصّة، وخارج الأردن، مثل لبنان – بيروت، قطر – الدوحة “2010”، بينالي الشارقة الدولي “2001”، وبينالي بنغلادش الدولي في دورتيه “2002” و”2004″. أقامت معرضها الشخصي الأول في مقر”تايكي”- عمان2011. والثاني في “منتدى الروّاد الكبار”- عمان2012.

وقد أصدرت سبع مجموعات قصصيّة، هي: منعطفات خطرة “2002”، رجل حقيقي “2003”، حجرة مظلمة “2004”، وتشتمل على 17 قصة قصيرة، وعلى 64 قصّة قصيرة جدّا، ثم مجموعة أقرب بكثير مّما تتصّور “2007”، تلتها ثلاثية القصص القصيرة جدّا سِفر الرؤى”2008″، كذلك على الأرض “2009”، وما لا يُرى “2010”. وقد صدرت جميعها عن المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر- دار الفارس.

وحين تسأل بسمة النمري لماذا تكتبين؟ تقول:” سؤال لماذا أكتب يعادل لماذا أحيا، أكتب لأني لا أستطيع إلا أن أكتب، حين أعاند الكتابة وأرفض نداءها تقف أمامي، تعترض طريقي وتسدّ كل دروبي التي تقودني إلى غيرها. يحضرني هاجسها فجأة، تتمثّل أمامي، تقف حاجزاً يعزلني عمّا بين يديّ من عمل أقوم به أتحايل عليها، أحاول أن أماطلها ولو قليلاً، إلا أنها، وهي المستبدّة، لا تدع لي فرصةً غير أن أستجيب. فأستجيب لأدرك عند ذلك فقط، أنني، وأنا أنصاع إلى أمرها، إنما أحقّق شرط روحي وأنتصر لإرادتها التي أدركتْها الكتابة فيّ قبل أن تلمحها ذاتي وأنني عندما أكتب، أكون أنا الحقيقيّة وأحبّني أكثر.”

* جميلة عمايرة: الكتابة تعني الجرأة في البوح

أن تكتب، يعني أن تمتلك الجرأة على البوح، وهذا يتطلب قدرا كبيرا من الحرية، فالكتابة إشهار أو إعلان جريء للذات دون خوف أو تردد أو حساب، الكتابة بالنسبة إليّ فعل تحرير ومشاركة مع الآخر، ومعاناة من التخييل والأحلام في محاولة لفهم الذات الواحدة والمتعددة بنفس الوقت، بهمومها وأحلامها وانكساراتها وتوقها للحرية والكرامة، حين تكتب المرأة فهي تكتب لتعرّي ذاتها وذات الآخر في نفس الوقت، الرجل، المجتمع فكل ما عداي آخر، وبهذا تكون فاعلة في الواقع من خلال امتلاك موقف وإعلانه بقوة والرد على تفاصيل مفروضة بأخرى ينبغي لها أن تكون.

من خلال الذات التي ترى العالم وتعاينه لتعيد صياغة أفكارها من جديد فربما يصبح العالم أكثر جمالا وأقل بشاعة، وإذا لم يتحقق هذا الطموح تكون الذات قد حمت نفسها من السقوط في اليأس وفقدان الأمل والرجاء.

من الصعوبة بالنسبة إليّ الإجابة عن توجهي للقصة القصيرة والرواية أو هذا النوع من الكتابة فربما يكمن الجواب بأنني امرأة حكاءة، أو إنّ المرأة تجيد السرد أو إنّ هذا يعود للموهبة الكامنة داخل الكائن الفرد بغض النظر عن الجنس رجلا كان أو امرأة، أو إن الكلمة هي مفتاح سحري للذات وهي تحاول أن تعبّر عن نفسها وعوالمها أم هي الأقدار من تسوق مسوغاتها فيصبح الإذعان مسوغاً به؟ أم هي مباركة الأهل وبتشجيع الأصدقاء.

كل هذه عوامل تساعد وتعزز الكائن على الاحتفاظ بوهج دائم يقيه من السقوط في الروتين وفقدان التوازن.

أنتمي إلى جيل له ملامح ومناخات متقاربة نوعا ما، جيلنا جيل التسعينات، سمي بجيل الانفجار القصصي الذي تسيّدت من خلاله المرأة المشهد الثقافي كله.

هنالك حضور قويّ للمرأة في معظم قصصي، كما أشار أكثر من ناقد زعم أنه حضور لواقع اجتماعي مكرس منذ سنين لم يكن للمرأة فيه صوت قوي. فتاريخنا الأدبي هو تاريخ الرجل لكن الذي حدث ويحدث دائما أن المرأة في الشرق تعاني أكثر مما يعانيه الرجل، فالشرق هنا ليس جهة مكانية، بقدر ما هو جهة سلطوية تمنع وتذبح وتقلم الأظافر وتحض على النوم المبكر ومجانبة ذكر العلاقات الدافئة وبتر المناطق الخاصة بالجسد وما يصدر عنها من تلويحات وأحلام تساعد الكائن على الخروج من عتمة الواقع الذي نغرق فيه.

أجدني أبتعد عن ظاهرة الكتابة النسوية التي تطرح كثيرا أمام المرأة المبدعة. هنالك خصوصية نسوية في الإبداع هذا صحيح لكن هذه الخصوصية ليست منغلقة على ذاتها أو لذتها أو هي تتحرك في منطقة لا مرئية سوى للنساء.

كتاباتي تنطلق من وعي بواقع الإنسان كإنسان. وبالآخر دون اللجوء إلى تقسيمات تراتبية داخل البنى الاجتماعية الواحدة بل أتعامل معها ضمن السياقات النقدية والاجتماعية على حد سواء. ولا أسعى لأن أتحرك في دائرة النسوية.

تتكئ قصصي في بنائها على الحلم تقنية اعتمدها في السرد كبديل لواقع قاسٍ وأستعين بقوة الحلم في بناء علاقات حميمة ودافئة بين ذات الكاتبة من جهة والآخر من جهة أخرى.

أخيراً أريد أن أوضح أن الكتابة طريق شائك وصعب فأن تكون كاتباً ليس امتيازاً بأية حال الكتابة بالنسبة إليّ شأن عاطفي بدونه أفقد توازني.

* أميمة الناصر: الكلمات طائر يحط قريبا من القلب

الكتابة تختارنا ولا نختارها، طائر يحط قريبا من القلب ولا يغادر. الكتابة فعل يعيد صياغة مفردات الحياة برؤيا جمالية، حتى ونحن نكتب عن المعاناة والحرب والموت، ونفتح أسئلة الوجود على مصراعيها، نقدم ذلك عبر فن قصصي همه اجتراح الجمال أولا، لأني أؤمن أن غاية الفن النهائية هي غاية جمالية.

هذه الغاية هي التي تدفعنا دوما نحو التجريب والحداثة، لتقديم رؤيا مغايرة للواقع، رؤيا تخلخل الثابت والسطحي غوصا وراء قيمة فنية صادمة لذائقة المتلقي.

وفي ظل ظروف سياسية وثقافية ومعيشية صعبة ومعقدة، عملت على تهميش الإنسان العربي، وتقزيم قيمة الخيرالمرتبطة بالجمال، فإن المواطن العربي يعيش أقسى ظروف الاغتراب واللانتماء، وتبدو الكتابة في هكذا ظروف، محاولة لترميم الجدار الأخير الذي تآكل نصفه،على الأقل بالنسبة لي، فالإنتصار للحياة والخروج من مستنقع العبثية ظل هاجسا كبيرا دافعت عنه باستماتة.

وعن تجربتي في كتابة القصة القصيرة جدا… كنت أتوق إلى الإنعتاق، وكنت أعي ذلك تماما، أن أتحرر وأكسر القيد الأفلاطوني من معصمي، وأخرج من كهفي، كي أستطيع أن أتلمس الأشياء بأصابعي.

كنت أتوق لكني لا أصل… مسافة من الغمام، كانت تنأى بي عن حقيقة الأشياء، التي تماهت ولم تخلف إلا الأسئلة والحزن. كانت كلماتي آنذاك تشبهني، ضائعة وتركض وراء الظلال.

زمن من الإنكسارات مرّ، شاخت الروح وتعملق شجر شوكي، لكن حين بدأت الظلال تتوحد بأشيائها، كبرت الدهشة وصار العالم أجمل وأكثر وضوحا.

كل ذلك انعكس على لغتي، التي أضحت هادئة، تطرق أسئلتها الوجودية بهدوء من يعرف الجواب، لكنه يحتاج السؤال ليحرك الراكد والآسن، وليمنح الأشياء مذاقا أكثر لذة وجمالا. بات السؤال خاطفا وكذلك الجواب، اختزلت اللغة نفسها، وتساقط الكثير من الفائض، وما بقي في النص تشبع بفضاءاته وألوانه. هكذا أضحت قصصي.

الكتب التي صدرت لي:

من أحاديث الصعلكة/ نصوص مشتركة.
أرجو ألا يتأخر الرد/ مجموعة قصصية.
الغناء بعيدا/ قصص قصيرة جدا.
صحو/ مجموعة قصصية.
حكاية نحلة/ قصة للأطفال.

* نوال عباسي: الحنين لمنزل ضمّخته الأحلام

إن تركيز الشاعرة على الإنساني والقومي والوطني العام لم يحل بينها وبين أن تتوقف عند الخاص في بعض المقاطع، التي يمكن اعتبارها جزءا من سيرتها الذاتية، فهي تقول على سبيل المثال:

أحنّ إلى ذكريات الطفولة إلى أيام العمر الماضية إلى منزل ضمّخته الأحلام والأمان إلى فراشات ملونة زاهية كنت أركض وراءها في الجوانب الحانية.

تـُعتبر الأديبة نوال عباسي، من أبرز رائدات الأدب المعاصر في الأردن، وهي كاتبة تنويرية، كان لها شرف الريادة في العمل الوطني، وفي تسييس الأدب، ليتـّسع لتطلعاتها القومية، ولإشراقاتها الإنسانية، ومن يُطالع مجلـّدها الجديد “ما كتبته نوال عباسي” الصادر عن دجلة في عمان مؤخرا في 632 صفحة، منها 225 صفحة لقصصها القصيرة، و407 صفحة لخواطرها وقصائدها، سيكتشف أنه أمام مبدعة وطنية وقومية وإنسانية بامتياز، مبدعة كرّست عمرها لمشروعها الثقافي والسياسي، واستطاعت أن تـُعبر بصدق وجمال عن وقع الوجود على وجدانها، كما سيكتشف أنه أمام كاتبة سياسية ناضجة جريئة صريحة تـُغرد خارج السرب.

ورغم سنين عمرها المديدة، إلا أن مُجلدها الجديد يُقدمها لقرائها باعتبارها عروس الأدب والفكر والسياسة وهي في أبهج تجلياتها، صبية الروح والقلب، تكره الحرب والموت والفناء، وتعشق الحياة، وتـُبشّر بتجددها، لدرجة تجعل القارئ يستمد منها العزم، وينظر لكتاباتها بعين العز والفخر، كيف لا وهي سنديانة الأردن العابقة بالشموخ والكبرياء، وداليته التي تـُبشّر بالخصب، وياسمينته التي تـُعطّر ثراه وتضيء سماءه، وأنثاه التي تـُسطـّر للبشرية أجمل كلمات الحب والعشق وتهيء لرجال العالم ونسائه جنان اللقاء الأبدي، والتواصل الروحي والجسدي، معلنة غضبها على أي لحظة فراق أو انفصال أو ابتعاد، فالحبّ عندها هالة مقدسة، وهي عدو لكل من يحاول أن يمسّ قداستها.

تعتبر نوال عباسي من أبرز كاتبات القصة السيكولوجية، يتضح ذلك من خلال تركيزها على”تيار الوعي” أو المونولوجات الداخلية في قصصها، لأنها تتيح لها فرصة رسم قطاع داخلي لحياة شخصياتها النفسية وما يدور في داخلها من أفكار ومشاعر


 


( العرب أون لاين )

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *