ماذا يعني أن تكون كاتباً؟

ماذا يعني أن تكون كاتباً؟

يوسف ضمرة

عندما كان الروائي باولو كويلو في الخامسة عشرة من عمره، أخبر أمه أنه يريد أن يكون كاتباً. وحين سألته أمه إن كان التقى كاتباً أو رأى كاتباً أجاب:لا. فقالت كيف تريد أن تصبح كاتباً وأنت لم تلتق أحداً ولم تر أحداً من الكتاب؟ كيف تريد أن تكون كاتباً وأنت لا تعرف ما معنى ذلك؟ حينها ـ يقول كويلو ـ قرر البحث والتقصي عن الكتاب والمؤلفين، فاكتشف أشياء عدة في عالمهم، اكتشف مثلاً أن الكاتب لا بد أن يكون مدخناً، وأن يكون شعره غير مسرّح دائماً، وأن يضع نظارات على عينيه، وأن يقول كلاماً غير مفهوم بالنسبة لأبناء عصره، وأن قلة من الكتاب فقط هم الذين يفهمون ما يكتبه.

كان ذلك في بداية الستينات، المرحلة التي سادت فيها الوجودية، قبل أن تتمكن الواقعية الاشتراكية من إزاحتها عن عرش الثقافة والفكر والفلسفة.

لم تكن الواقعية الاشتراكية الميكانيكية كما شاعت اقل إرباكاً من الوجودية، فقد ألزمت الكاتب أن يصبح الناطق الإعلامي باسم الفقراء، وأن يتفرغ للهجاء الطبقي، وألا ينتبه مطلقاً إلى الهواجس الإنسانية العادية.. إلى الضعف البشري والقوة والحلم الشخصي والعلاقات الإنسانية الطبيعية والغريبة. وقد ساهمت حركات التحرر الوطني في تلك الفترة في شيوع الواقعية الاشتراكية الميكانيكية، وتثبيت سطوتها، إلى أن انتهت الحرب الباردة وانتصرت الليبرالية الديمقراطية بالزعامة الأميركية، وانكسر الكثير من مشروعات التحرر الوطني. حينها أخذ الكاتب العربي يتحرر شيئاً فشيئاً من ربقة الأفكار المسبقة والأيديولوجيا المهيمنة، وصار في استطاعته أن يترك العنان لخياله وأفكاره مهما تكن.

ولكن، هل هكذا يصبح المرء كاتباً؟

يظن كثيرون أن الكاتب يعرف الكثير، وأن عليه أن ينقل هذه المعرفة الكبيرة إلى الناس.. بمعنى آخر أن يكون الكاتب معلما أو واعظا أو مصلحا بأفكاره ومعرفته الغنية، ولكن الحقيقة غير ذلك تماماً، فالكاتب ربما يكون اقل الناس معرفة، إذا كانت المعرفة مبنية على اليقين والاعتقاد المطلق. هنا يصبح الكاتب «جاهلاً» أمام المجموعة البشرية التي ينتمي إليها، فإذا كان الناس من حوله يؤمنون بكثير من الأفكار والعقائد والمفاهيم والقيم إيماناً صافياً، فإن الكاتب ليس كذلك، لأن فكره قائم على الشك من جهة، وعلى البحث عن الغموض البشري من جهة أخرى، أي إنه في كل ما يكتب إنما يبحث عن المعرفة. وفي خضم هذا البحث يفتح كوى في جدار النمطي والعادي والمألوف، ومن هذه الكوى يتمكن الآخرون من رؤية ما لم يروه من قبل. هكذا يصبح الكاتب كشافاً للآخرين، وصادماً ومفاجئاً لهم في آن واحد، لأنه يريهم ما لم يظنوا بوجوده يوماً.. يخبرهم أن كثيراً مما اعتقدوا به من قبل كان خطأ كبيراً، ويخبرهم أن الحياة مختلفة عما يرونها، إنه بهذه الطريقة يشبه المكتشف والمخترع العلمي، ولهذا يصبح تصديقه أمرا صعبا إلى حد كبير، تماما كما حدث لكثير من العلماء من قبل، ولعلنا نتذكر «غاليلو» الذي قال بدوران الأرض، وكيف حاكمته الكنيسة بموافقة شعبية مطلقة.

الكاتب لا يعيد إنتاج أفكار الآخرين النمطية، لكنه ينتج أفكاراً جديدة تتعلق برؤية الحياة من زوايا مغايرة للزوايا التي اعتادها الإنسان العادي ضمن الثقافة السائدة، وهكذا يكون المرء كاتباً بحق.

– عن الامارات اليوم

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *